صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والإنجيل (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا) أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه ، وتنخرطوا في سلكهم لا تكفيهم ضلالتهم ؛ بل يحبون أن يضل معهم غيرهم. وقرئ : أن يضلوا ، بالياء بفتح الضاد وكسرها (وَاللهُ أَعْلَمُ) منكم (بِأَعْدائِكُمْ) وقد أخبركم بعداوة هؤلاء ، وأطلعكم على أحوالهم وما يريدون بكم ؛ فاحذروهم ولا تستنصحوهم في أموركم ولا تستشيروهم (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) فثقوا بولايته ونصرته دونهم. أو لا تبالوا بهم ، فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(٤٦)
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا) بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب ؛ لأنهم يهود ونصارى. وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ) ، (وَكَفى بِاللهِ) ، (وَكَفى بِاللهِ) جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل الاعتراض أو بيان لأعدائكم ، وما بينهما اعتراض أو صلة لنصيراً ، أى ينصركم من الذين هادوا ، كقوله (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا) ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ ، على أن (يُحَرِّفُونَ) صفة مبتدأ محذوف تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون. كقوله :
وَمَا الدَّهْرُ إلّا تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا |
|
أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِى الْعَيْشَ أَكْدَحُ (١) |
أى فمنهما تارة أموت فيها (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) يميلونه عنها ويزيلونه ؛ لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره ، فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعها الله فيها ، وأزالوه عنها. وذلك نحو تحريفهم «أسمر ربعة» عن موضعه في التوراة بوضعهم «آدم طوال» (٢) مكانه ، ونحو تحريفهم «الرجم»
__________________
(١) وما الدهر إلا تارتان فمنهما |
|
أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح |
وكلتاهما قد خط لي في صحيفة |
|
فلا العيش أهوى لي ولا الموت أروح |
لتميم بن عقيل ، يقول : ليس الدهر إلا تارتين ومرتين ، فتارة أموت بها ، وتارة أطلب العيش حال كوني أكدح ، أى أجد وأتعب وأسرع في طلبه ، والمراد بالصحيفة : اللوح المحفوظ ، ثم قال : ليس العيش أحب إلى لما فيه من النصب ، وليس الموت أروح لي لأن النفس تكرهه.
(٢) قوله «طوال» هو بالضم : الطويل. وبالكسر : جمعه. وبالفتح مصدر ، أفاده الصحاح. (ع)