يرث كل وارث من الدية غير القاتل. وعن شريك : لا يقضى من الدية دين ، ولا تنفذ وصية. وعن ربيعة : الغرة لأم الجنين وحدها ، وذلك خلاف قول الجماعة. (فان قلت) : على من تجب الرقبة والدية؟ قلت : على القاتل إلا أن الرقبة في ماله ، والدية تتحملها عنه العاقلة ، فإن لم تكن له عاقلة فهي في بيت المال ، فإن لم يكن ففي ماله (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلا أن يتصدقوا عليه بالدية ومعناه العفو ، كقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) ونحوه (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وعن النبي صلى الله عليه وسلم «كل معروف صدقة (١)» ، وقرأ أبىّ : إلا أن يتصدقوا. فإن قلت : بم تعلق أن يصدقوا ، وما محله؟ قلت : تعلق بعليه ، أو بمسلمة ، كأنه قيل : وتجب عليه الدية أو يسلمها ، إلا حين يتصدقون عليه. ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان ، كقولهم : اجلس ما دام زيد جالسا. ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى إلا متصدقين (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) من قوم كفار أهل حرب وذلك نحو رجل أسلم في قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم ، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ وليس على عاقلته لأهله شيء. لأنهم كفار محاربون. وقيل : كان الرجل يسلم ؛ ثم يأتى قومه وهم مشركون فيغزوهم جيش المسلمين ، فيقتل فيهم خطأ لأنهم يظنونه كافراً مثلهم (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ) كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين ، فحكمه حكم مسلم من مسلمين (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رقبة ، بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها (ف) عليه (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ) قبولا من الله ورحمة منه ، من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعنى شرع ذلك توبة منه ، أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه. هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد (٢) أمر عظيم وخطب غليظ. ومن ثم روى عن ابن عباس ما روى من أن توبة قاتل المؤمن عمداً غير مقبولة (٣). وعن سفيان : كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا :
__________________
ـ لا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى قال له الضحاك بن سفيان كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع عمر رضى الله عنه.
(١) أخرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة رضى الله عنه.
(٢) قال محمود : «في هذه الآية من التهديد والوعيد والإبراق ... الخ» قال أحمد : وكفى بقوله تعالى في هذه السورة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) دليلا أبلج على أن القاتل الموحد ـ وإن لم يتب ـ في المشيئة وأمره إلى الله ، إن شاء آخذه وإن شاء غفر له. وقد مر الكلام على الآية ، وما بالعهد من قدم. وأما نسبة أهل السنة إلى الأشعبية ، فذلك لا يضيرهم ؛ لأنهم إنما تطفلوا على لطف أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ، ولم يقنطوا من رحمة الله ، إنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الظالمون.
(٣) متفق عليه من رواية سعيد بن حبيب عن ابن عباس في قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) قال : لا توبة له» وفي رواية لهما عنه «قال : قلت لابن عباس : ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال : لا» (فائدة) قال ابن أبى شيبة : حدثنا يزيد بن هرون أنبأنا أبو مالك الأشجعى عن سعد بن عبيدة قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : ألمن قتل مؤمنا توبة؟ قال : لا إلى النار ، فلما ذهب قال له جلساؤه : ما هكذا كنت تفتينا ، قد كنت تفتينا ـ