واسْتَمْطَرُوا مِنْ قُرَيْشٍ كلَّ مُنْخدِعِ (١)
وقول ذى الرمّة :
إنَّ الحَليمَ وذَا الإِسْلامِ يُخْتَلَبُ (٢)
فقد جاء النعت بالانخداع ولم يأت بالخدع. قلت : فيه وجوه. أحدها : أن يقال كانت صورة صنعهم مع الله حيث يتظاهرون بالإيمان وهم كافرون ، صورة صنع الخادعين. وصورة صنع الله معهم ـ حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده في عداد شرار الكفرة وأهل الدرك الأسفل من النار ـ صورة صنع الخادع ، وكذلك صورة صنع المؤمنين معهم حيث امتثلوا أمر الله فيهم فأجروا أحكامهم عليهم. والثاني : أن يكون ذلك ترجمة عن معتقدهم وظنهم أن الله ممن يصح خداعه ؛ لأن من كان ادعاؤه الإيمان بالله نفاقا لم يكن عارفا بالله ولا بصفاته ، ولا أن لذاته تعلقا بكل معلوم ، ولا أنه غنى عن فعل القبائح ؛ فلم يبعد من مثله تجويز أن يكون الله في زعمه مخدوعا ومصابا بالمكروه من وجه خفى ، وتجويز أن يدلس على عباده ويخدعهم. والثالث : أن يذكر الله تعالى ويراد الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه خليفته في أرضه ، والناطق عنه بأوامره ونواهيه مع عباده ، كما يقال : قال الملك كذا ورسم كذا ؛
__________________
(١) واستمطروا من قريش كل منخدع |
|
إن الكريم إذا خادعته انخدعا |
كانت العرب إذا أصابها جدب فزعت إلى قريش ليستسقوا لهم ، لأنهم ولاة بيت الله وحماة حرمه ، كما فعل قوم عاد لما قحطوا. وكذلك استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. واستسقى أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه واستسقى له مع ما كان بينهما من العداوة. يقول : طلب القوم من كل منخدع من قريش المطر : أى أن بطلب لهم المطر. وقال السيد : واستمطروا ، أى استقوا وطلبوا ، فأفاد أنه على صيغة الأمر. وفي الصحاح : أى سلوه أن يعطي كالمطر مثلا ، وهو يؤيد كلام السيد. ويجوز تشبيه كل منخدع من قريش بالسحاب على سبيل المكنية ، فيطلب منه المطر. والمنخدع المغلوب لكرمه ، وبينه قوله : إن الكريم. ويروى البيت هكذا
لا خير في الحب لا ترجى نوافله |
|
فاستمطروا من قريش كل منخدع |
ويروى «من فريق» بدل «قريش». وقوله «لا ترحى الخ» جملة حالية للحب. وفريق موضع بعينه من الحجاز.
(٢) تزداد للعين إبهاجا إذا سفرت |
|
وتخرج العين فيها حين تنتقب |
تلك الفتاة التي علقتها عرضا |
|
إن الحليم وذا الإسلام يختلب |
لذي الرمة في محبوبته مى. وسفرت المرأة : كشفت عن وجهها. وروى : إسفاراً ، بدل إبهاجا. والمراد أن إبهاجها بسفرها لعيني يزداد إذا كشفت عن وجهها. وخرجت العين ـ كتعبت ـ حارت. وروى «منها» بدل «فيها» أى من أجلها. وتنتقب : أى ترسل النقاب على وجهها. وعرضاً أى من غير قصد ولا شعور. وخلب ـ من باب قتل ـ : خدع أى هي الشابة التي اعترضني حبها حيث لا أشعر. ثم تسلى بأن العاقل المسلم كثيراً ما ينخدع.