آمنوا نفاقا ، أو واطأت قلوبهم ألسنتهم إلا أنهم مفرطون في العمل (وَهُمْ راكِعُونَ) الواو فيه للحال ، أى يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا زكوا. وقيل : هو حال من يؤتون الزكاة ، بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة ، وإنها نزلت في علىّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه (١) ، كأنه كان مرجا (٢) في خنصره ، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته. فإن قلت : كيف صح أن يكون لعلىّ رضى الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقد الفقراء ، حتى إن لزهم أمر لا يقبل (٣) التأخير وهم في الصلاة ، لم يؤخروه إلى الفراغ منها.
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ)(٥٦)
(فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ) من إقامة الظاهر مقام المضمر (٤). ومعناه : فإنهم هم الغالبون ، ولكنهم بذلك جعلوا أعلاما لكونهم حزب الله. وأصل الحزب؟ القوم يجتمعون لأمر حزبهم. ويحتمل أن يريد بحزب الله : الرسول والمؤمنين. ويكون المعنى : ومن يتولهم فقد تولى حزب الله ، واعتضد بمن لا يغالب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ
__________________
(١) قلت : في قوله : «كأنه» إلى قوله «بمثله» من كلام صاحب الكشاف. فقد رواه ابن أبى حاتم من طريق سلمة بن كهيل قال تصدق على بخاتمه وهو راكع ، فنزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ولابن مردويه من رواية سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك. عن ابن عباس قال كان على قائماً يصلى ، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت. وروى الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله بن عمر بن على. حدثنا أبى عن أبيه عن جده عن على بن أبى طالب قال نزلت هذه الآية. إنما وليكم الله ورسوله. الآية فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون ، بين قائم وراكع وساجد. وإذا سائل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاك أحد شيئا. قال لا إلا هذا الراكع يعنى عليا. أعطانى خاتمه. رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن على الصائغ وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال : وقف بعلى سائل وهو واقف في صلاته. الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمرى. وهو متروك. ورواه الثعلبي من حديث أبى ذر مطولا وإسناده ساقط.
(٢) قوله «كأنه كان مرجا» أى قلقا غير ثابت. أفاده الصحاح. (ع)
(٣) قوله «لا يقبل» لعله «لا يفعل». (ع)
(٤) قال محمود : «هذا من إقامة الطاهر مقام المضمر ومعناه ... الخ» قال أحمد : ومقابله قوله تعالى : (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) فوضع الظالمين موضع ضمير الأول ليزيدهم سمة الظلم إلى الخسران.