ومنه (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). فإن قلت : المعاقبون من الفريقين هم اليهود ، فلم شورك بينهم (١) في العقوبة؟ قلت : كان اليهود ـ لعنوا ـ يزعمون أن المسلمين ضالون مستوجبون للعقاب ، فقيل لهم : من لعنه الله شر عقوبة في الحقيقة واليقين من أهل الإسلام في زعمكم ودعواكم (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) عطف على صلة (٢) «من» كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت. وفي قراءة أبىّ وعبدوا الطاغوت ، على المعنى. وعن ابن مسعود : ومن عبدوا. وقرئ وعابد الطاغوت ، عطفاً على القردة. وعابدى. وعباد. وعبد. وعبد. ومعناه : الغلوّ في العبودية ، كقولهم ، رجل حذر وفطن ، للبليغ في الحذر والفطنة. قال :
أَبَنِى لُبَيْنَى إنَّ أُمَّكُمُ |
|
أَمَةٌ وَإنَّ أبَاكُمُو عَبْدُ (٣) |
وعبد ، بوزن حطم. وعبيد. وعبد ـ بضمتين ـ جمع عبيد : وعبدة بوزن كفرة. وعبد ، وأصله عبدة ، فحذفت التاء للإضافة. أو هو كخدم في جمع خادم. وعبد (٤) وعباد. وأعبد. وعبد الطاغوت ، على البناء للمفعول ، وحذف الراجع ، بمعنى : وعبد الطاغوت فيهم ، أو بينهم. وعبد الطاغوت بمعنى صار الطاغوت معبوداً من دون الله ، كقولك «أمر» إذا صار أميراً. وعبد الطاغوت ، بالجر عطفاً على: (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ). فإن قلت : كيف جاز أن يجعل الله منهم
__________________
(١) (قوله فلم شورك بينهم) لعله بينهما ، أو بينهم وبين المسلمين. (ع)
(٢) قال محمود : «وعبد الطاغوت عطف عل صلة من ... الخ» قال أحمد رحمه الله : السؤال يلزم القدرية لأنهم يزعمون أن الله تعالى إنما أراد منهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وأن عبادتهم للطاغوت قبيحة والله تعالى لا يريد القبائح بل تقع في الوجود على خلاف مشيئته ، فلذلك يضطر الزمخشري إلى تأويل الجعل بالخذلان أو بالحكم ، وكذلك أول قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) بمعنى حكمنا عليهم بذلك. هذا مقتضى قاعدة القدرية. وأما على عقيدة أهل السنة الموحدين حقا ، فالآية على ظاهرها ، والله تعالى هو الذي أشقاهم وخلق في قلوبهم طاعة الطاغوت وعبادته ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وإذا روجع القدري في تحقيق الخذلان أو الحكم الذي يستروح إلى التأويل به ، لم يقدر منه على حقيقة ، ولم يفسره بغير الخلق إن اعترف بالحق وترك ارتكاب المراء ، والتذبذب مع الأهواء ، والله ولى التوفيق.
(٣) أبنى لبينى لست معترفا |
|
ليكون ألأم منكم أحد |
أبنى لبينى إن أمكم |
|
أمة وإن أباكم عبد |
لأوس بن حجر. وقيل لطرفة بن العبد ، والهمزة للنداء ، والعبد كالحذر البليغ في العبودية. ورواه الفراء بالضم ، لكن قال : إن ضم الباء ضرورة. وقال السيوطي : إنه بالضم اسم جمع لعبد بالسكون ، لكن ظاهر البيت يخالفه. يقول : يا بنى لبينى ، لست معترفا لأن يكون أحد أشد لؤما منكم ، فان أبويكم رقيقين. وتخصيص الأمة بالرقيقة والعبد بالرقيق : عرف شائع في اللغة. وأداهم نداء الغريب ، لأنه أغيظ للمواجهة بالذم. وكرر النداء مع هذه الاضافة للاستخفاف بهم.
(٤) قوله «وعبد» لعله بفتح العين وضم الباء كندس. أفاده الصحاح. (ع)