الضلالة فقد عطلوه واستبدلوها به ، ولأن الذين القيم هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فكل من ضل فهو مستبدل خلاف الفطرة
و (الضَّلالَةَ) الجور عن الفصد وفقد الاهتداء. يقال. ضلّ منزله ، وضل دريص نفقه (١) فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين. والربح : الفضل على رأس المال ، ولذلك سمى : الشف ، من قولك : أشف بعض ولده على بعض ، إذا فضله. ولهذا على هذا شف. والتجارة : صناعة التاجر ، وهو الذي يبيع ويشترى للربح. وناقة تاجرة : كأنها من حسنها وسمنها تبيع نفسها. وقرأ ابن أبى عبلة (تجاراتهم). فإن قلت : كيف أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها؟ قلت : هو من الإسناد المجازى ، وهو أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له ، كما تلبست التجارة بالمشترين. فإن قلت : هل يصح : ربح عبدك وخسرت جاريتك ، على الإسناد المجازى؟ قلت : نعم إذا دلت الحال. وكذلك الشرط في صحة : رأيت أسداً ، وأنت تريد المقدام ؛ إن لم تقم حال دالة لم يصح. فإن قلت : هب أنّ شراء الضلالة بالهدى وقع مجازاً في معنى الاستبدال ، فما معنى ذكر الربح والتجارة؟ كأن ثمّ مبايعة على الحقيقة (٢). قلت : هذا من الصنعة البديعة التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا ، وهو أن تساق كلمة مساق المجاز ، ثم تقفى بأشكال لها وأخوات ، إذا تلاحقن لم تر كلاما أحسن منه ديباجة وأكثر ماء ورونقا ، وهو المجاز المرشح. وذلك نحو قول العرب في البليد : كأن أذنى قلبه خطلا ، وإن جعلوه كالحمار ، ثم رشحوا ذلك روما لتحقيق البلادة ، فادعوا لقلبه أذنين ، وادعوا لهما الخطل (٣) ، ليمثلوا البلادة تمثيلا يلحقها ببلادة الحمار مشاهدة معاينة. ونحوه :
__________________
(١) قوله «وضل دريص نفقه» في الصحاح : الدرص ولد الفأرة واليربوع وأشباه ذلك. وفي المثل «ضل دريص نفقه» أى جحره. (ع)
(٢) قال محمود رحمه الله : «فان قلت : هب أن شراء الضلالة بالهدى ... الخ». قال أحمد رحمه الله : وهذا النوع قريب من التتميم الذي يمثله أهل صناعة البديع بقول الخنساء :
وإن صخراً لتأتم الهداة به |
|
كأنه علم في رأسه نار |
لما شبهته في الاهتداء به بالعلم المرتفع ، أتبعت ذلك ما يناسبه ويحققه ، فلم تقنع بظهور الارتفاع حتى أضافت إلى ذلك ظهوراً آخر باشتعال النار في رأسه.
(٣) قوله «وادعوا لهما الخطل» أى الاسترخاء. (ع)