إلا أن الفارسيّ انتصر لأبي الحسن ، وردّ على أبي إسحاق ردّه فقال : «كسر الميم لو ورد (١) بذلك سماع لم يدفعه قياس ، بل كان يثبته ويقوّيه (٢) ـ ؛ لأن الأصل في التحريك ـ لالتقاء الساكنين ـ الكسر ، وإنما يبدل إلى غير ذلك لما يعرض من علّة وكراهة ، فإذا جاء الشيء على بابه فلا وجه لردّه ، ولا مساغ لدفعه ، وقول أبي إسحاق ؛ إن ما قبل الميم ياء مكسورا ما قبلها ، فحقها الفتح منقوض بقولهم : جير ، حيث (٣) حرّك الساكن ـ بعد الياء ـ بالكسر ، كما حرك بعدها بالفتح في أين ، ويدل على جواز التحريك لالتقاء الساكنين بالكسر ـ فيما كان قبله ياء ، ـ جواز تحريكه بالضم نحو قولهم : حيث ، وإذا جاز الضم كان الكسر أجوز وأسهل».
فصل في بيان سبب النزول
في سبب نزول هذه الآية قولان :
الأول : أنها نزلت في اليهود (٤) ، وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى : (الم ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ١ ، ٢].
الثاني : أنها من أولها إلى آية المباهلة (٥) في نصارى نجران.
قال الكلبي ، والربيع بن أنس ـ وهو قول محمد بن إسحاق ـ : قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد نجران (٦) ـ ستون راكبا ـ فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وثلاثة منهم كانوا
__________________
(١) وهذا الطعن عندي ضعيف ، لأن الكسرة حركة فيها بعض الثقل والياء أختها ، فإذا اجتمعا ، عظم الثقل ، ثم يحصل الانتقال منه إلى النطق بالألف في قولك : «الله» وهو في غاية الخفة ، فيصير اللسان منتقلا من أثقل الحركات إلى أخف الحركات ، والانتقال من الضد إلى الضد دفعة واحدة صعب على اللسان ، أما إذا جعلنا الميم مفتوحة ، انتقل اللسان من فتحة الميم إلى الألف في قولنا : «الله» فكان النطق بها سهلا ، فهذا وجه تقرير قول سيبويه والله أعلم. ينظر الرازي ٧ / ١٣٤.
(٢) (١٠) في أ : وبقوله.
(٣) سقط في أ.
(٤) روي ذلك عن مقاتل ، وذكره أبو حيان في البحر المحيط ٢ / ٣٨٩.
(٥) آية ٦١ من سورة آل عمران. والبهل : اللّعن. وفي حديث ابن الصّبغاء قال : الذي بهله بريق أي الذي لعنه ودعا عليه رجل اسمه بريق. وبهله الله بهلا : لعنه. وعليه بهلة الله وبهلته أي لعنته. وفي حديث أبي بكر : من ولي من أمور الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بهلة الله أي لعنة الله ، وتضم باؤها وتفتح. وباهل القوم بعضهم بعضا وتباهلوا وابتهلوا : تلاعنوا. والمباهلة : الملاعنة. يقال : باهلت فلانا أي لاعنته ، ومعنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا : لعنة الله على الظالم منا. وفي حديث ابن عباس : من شاء باهلته أن الحقّ معي.
ينظر : اللسان (بهل).
(٦) (نجران) بفتح النون وسكون الجيم : بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن ، يشتمل على ثلاثة وسبعين قرية مسيرة يوم للراكب السريع ، كذا في زيادات يونس بن بكير بإسناد له في المغازي ، ـ