الشرط وحده ، أو الجواب وحده ، أو كلاهما ـ وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدّر ، أي : سريع الحساب له.
فصل
وهذا تهديد ، وفيه وجهان :
الأول : المعنى : فإنه سيصير إلى الله تعالى سريعا ، فيحاسبه ، أي : يجازيه على كفره.
الثاني : أن الله تعالى سيعلمه بأعماله ومعاصيه وأنواع كفره ، بإحصاء سريع ، مع كثرة الأعمال.
قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)(٢٠)
(فَإِنْ حَاجُّوكَ) أي : خاصموك يا محمد في الدين بالأقاويل المزوّرة ، والمغالطات ، فأسند أمرك إلى ما كلّفت به من الإيمان والتبليغ ، وعلى الله نصرك وذلك أن اليهود والنصارى قالوا : لسنا على ما سميتنا به يا محمد ، إنما اليهودية والنصرانية نسب ، والدين هو الإسلام ، ونحن عليه ، فقال الله تعالى ـ (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أي : انقدت لله وحده ، وإنما خص الوجه ؛ لأنه أكرم جوارح الإنسان.
وقال الفرّاء : معناه : أخلصت عملي لله.
وفي كيفية إيراد هذا الكلام وجوه :
أحدها : أنه ـ عليهالسلام ـ كان قد أظهر لهم الحجة ـ على صدقه ـ قبل نزول هذه الآية ـ مرارا ، فإن هذه السورة مدنية ، وكان قد أظهر لهم المعجزات بالقرآن ، ودعاء الشجرة ، وكلام الذئب ، وغيرها مما يدل على صحة دينه ، وذكر الحجة على فساد قول النصارى بقوله «الحى القيوم» ، وأجاب عن شبه القوم بأسرها ، ومشاهدة يوم بدر وأثبت التوحيد ، ونفى الضدّ والندّ والصاحبة والولد بقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ،) وبين ـ تعالى ـ أن إعراضهم عن الحق إنما كان بغيا وحسدا ، فلما لم يبق حجة على فرق الكفار إلا أقامها ، قال بعده : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) وهذه عادة المحقّ مع المبطل ، إذا أورد عليه حجّة بعد حجّة ، ولم يرجع إليه ، فقد يقول ـ في آخر الأمر ـ : أما أنا فمنقاد للحق ، فإن وافقتم ، واتبعتم الحق الذي أنا عليه ، فقد اهتديتم ، وإن اعترضتم ، فالله بالمرصاد.
ثانيها : أن القوم كانوا مقرّين بوجود الصانع ، وكونه مستحقا للعبادة ، فكأنه ـ عليهالسلام ـ قال لهم : هذا القدر متفق عليه بين الكلّ ، فأنا مستمسك بهذا القدر المتفق عليه ، وداعي الخلق إليه ، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك ، وأنتم المدعون فعليكم الإثبات ،