فمنع دخولها من نسخه ب «إنّ» والسماع حجّة عليه كهذه الآية ، وكقوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) الآية [البروج : ١٠] ، وكذلك إذا نسخ ب «لكنّ» كقوله : [الطويل]
١٣٧٦ ـ فو الله ما فارقتكم عن ملالة |
|
ولكنّ ما يقضى فسوف يكون (١) |
وكذلك إذا نسخ ب «أنّ» ـ المفتوحة ـ كقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ،) [الأنفال : ٤١] أما إذا نسخ ب «ليت» ، و «لعلّ» و «كأنّ» امتنعت الفاء عند الجميع ؛ لتغيّر المعنى.
فصل
المراد بهؤلاء الكفار اليهود والنصارى.
فإن قيل : ظاهر هذه الآية يقتضي كونهم كافرين بجميع آيات الله ـ تعالى ـ ، واليهود والنصارى ، كانوا مقرّين بالصانع وعلمه وقدرته والمعاد.
الجواب : أن تصرف الآيات إلى المعهود السابق ـ وهو القرآن ومحمد ـ أو نحمله على العموم ، ونقول : إن من كذب بنبوة محمد ـ عليهالسلام ـ يلزمه أن يكذب بجميع آيات الله تعالى.
الصفة الثانية : قوله : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) قرأ الحسن هذه والتي بعدها بالتشديد ومعناه : التكثير ، وجاء ـ هنا ـ (بِغَيْرِ حَقٍ) منكّرا ، وفي البقرة (بِغَيْرِ الْحَقِ) معرّفا قيل : لأن الجملة ـ هنا ـ أخرجت مخرج الشرط ـ وهو عام لا يتخصّص ـ فلذلك ناسب أن تذكر في سياق النفي ؛ لتعمّ.
وأما في البقرة فجاءت الآية في ناس معهودين ، مختصين بأعيانهم ، وكان الحق الذي يقتل به الإنسان معروفا عندهم ، فلم يقصد هذا العموم الذي هنا ، فجيء في كل مكان بما يناسبه.
فصل
روى أبو عبيدة بن الجراح ، قال : قلت : يا رسول الله ، أيّ الناس أشدّ عذابا يوم القيامة؟ قال : رجل قتل نبيّا ، أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وقرأ هذه الآية ، ثم قال : يا أبا عبيدة ، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا ، من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل ، واثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل ، فأمروا قتلتهم
__________________
(١) البيت للأفوه الأودي ينظر الدرر ٢ / ٤٠ ، وأمالي القالي ١ / ٩٩ ، وأوضح المسالك ١ / ٣٤٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٢٥ ، وشرح قطر الندى ص ١٤٩ ، ومعجم البلدان ٢ / ٢٢٠ (الحجاز) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١١٠. والدر المصون ٢ / ٥١.