صلىاللهعليهوسلم بمنّى ـ فقال : أيّ الجهاد أفضل؟ فقال عليهالسلام : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (١).
قال ابن جريج (٢) : كان الوحي يأتي إلى أنبياء بني إسرائيل ـ ولم يكن يأتيهم كتاب ـ فيذكّرون قومهم فيقتلون ، فيقوم رجال ممن تبعهم وصدّقهم ، فيذكرون قومهم ، فيقتلون ـ أيضا ـ فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ) قرأ ابن عباس (٣) وأبو عبد الرحمن «حبطت» بفتح الباء ـ وهي لغة معروفة ، أي : بطلت في الدنيا ـ بإبدال المدح بالذم ، والثناء باللعن ، وقتلهم ، وسبيهم وأخذ أموالهم ، واسترقاقهم ، وغير ذلك من أنواع الذل ـ وفي الآخرة ـ بإزالة الثواب ، وحصول العقاب ـ (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون عنهم.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٢٣)
لمّا نبّه على عنادهم بقوله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) بيّن في هذه الآية غاية عنادهم ، واعلم أن ظاهر الآية يتناول الكلّ ؛ لأنه ذكره في معرض الذم ، إلا أنه قد دلّ دليل آخر على أنه ليس كل أهل الكتاب كذلك ، لقوله تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) [آل عمران : ١١٣] والمراد بالكتاب غير القرآن ؛ لأنه أضاف الكتاب إلى الكفار ، وهم اليهود والنصارى.
فصل
في سبب النزول وجوه :
أحدها : روى ابن عباس : أنّ رجلا وامرأة ـ من اليهود ـ زنيا وكانا ذوي شرف ، وكان في كتابهم الرّجم ، فكرهوا رجمهما ؛ لشرفهما ، فرجعوا في أمرهما إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ رجاء أن يكون عنده رخصة في ترك الرجم ، فحكم الرسول ـ عليهالسلام ـ بالرجم ، فأنكروا ذلك ، فقال ـ عليهالسلام ـ بيني وبينكم التوراة ؛ فإن فيها الرّجم ، فمن أعلمكم؟ قالوا : رجل أعور يسكن فدك ، يقال له : ابن صوريا ، فأرسلوا إليه ، فقدم المدينة ، وكان جبريل قد وصفه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنت ابن صوريا؟ قال : نعم ، قال :
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨) كتاب الملاحم باب الأمر والنهي برقم (٤٣٤٤) وابن ماجه (٢ / ١٣٢٩) كتاب الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رقم (٤٠١١) والخطيب (٧ / ٢٣٨) عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» كما في كنز العمال (٣ / ٧٨) رقم (٥٥٧٦) عن واثلة بن الأسقع.
(٢) في أ : ابن جرير.
(٣) وقرأ بها أبو السمال العدوي.
انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤١٥ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٣١ ، والدر المصون ٢ / ٥٢.