أنت أعلم اليهود؟ قال : كذلك يزعمون ، قال : فأحضروا التوراة ، فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها ، فقال ابن سلام : قد جاوز موضعها يا رسول الله ، وقام فرفع كفّه عنها فوجدوا آية الرجم ، فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بهما فرجما ، فغضبت اليهود لذلك غضبا شديدا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وثانيها : روى سعيد بن جبير وعكرمة ـ عن ابن عباس ـ قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيت المدارس (١) على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله ـ عزوجل ـ فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن يزيد : على أي دين أنت يا محمد؟ فقال : على ملة إبراهيم ، قالا : إن إبراهيم كان يهوديّا فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فهلموا إلى التوراة ؛ فهي بيننا وبينكم حكم ، فأبيا عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).
وثالثها : أن علامة بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم مذكورة في التوراة ، والدلائل على صحة نبوته موجودة فيها فلما جادلوه في النبوة والبعثة دعاهم إلى التحاكم إلى كتابهم ، فأبوا ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية ، ولذلك قال : (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران : ٩٣] وهذه الآية تدل على أن دلائل صحة نبوته موجودة في التوراة ؛ إذ لو علموا أنه ليس في التوراة ما يدل على صحة نبوته لسارعوا إليه ، ولما ستروا ذلك.
رابعها : أن هذا الحكم عام في اليهود والنصارى ؛ فإن دلائل صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم كانت موجودة في التوراة والإنجيل.
وقوله : (نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي : من علم الكتاب ؛ لأنا لو أجريناه على ظاهره ، فهم قد أوتوا كل الكتاب ، والمراد بذلك العلماء منهم ، وهم الذين يدعون إلى الكتاب ؛ لأن من لا علم له بذلك لا يدعى إليه.
قوله : «يدعون» في محل نصب على الحال من (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
قوله : (إِلى كِتابِ اللهِ) قال أكثر المفسرين : هو التوراة ؛ لوجوه :
أحدها : ما ذكرنا في سبب النزول.
ثانيها : أن الآية سيقت للتعجّب من تمرّدهم وإعراضهم ، والتعجّب إنما يحصل إذا تمرّدوا على حكم الكتاب الذي يعتقدون صحته.
ثالثها : أن هذا هو المناسب لما قبل الآية ؛ لأنه لما بيّن أنه ليس عليه إلا البلاغ وصبّره على معاندتهم ـ مع ظهور الحجّة عليهم ـ بيّن أنهم استعملوا طريق المكابرة في نفس كتابهم الذي أقروا بصحته ، فستروا ما فيه من الدلائل الدالة على صحة نبوة محمد ـ عليهالسلام ـ فهذا يدل على أنهم في غاية التعصّب والبعد عن قبول الحق.
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (١ / ٣٣٢) وتفسير الرازي (٧ / ١٨٨).
(٢) انظر تفسير الرازي (٧ / ١٨٨) وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩).