قال ابن عباس والحسن وقتادة : هو القرآن.
روى الضّحّاك عن ابن عباس ـ في هذه الآية ـ أن الله ـ تعالى ـ جعل القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى ، فأعرضوا عنه ، وقال تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩] ، وقال تعالى: (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) [النور : ٤٨].
فإن قيل : كيف دعوا إلى حكم كتاب لا يؤمنون به؟
فالجواب : أنهم دعوا إليه بعد قيام الحجج الدالّة على أنه كتاب من عند الله.
قوله : «ليحكم» متعلق ب «يدعون». وإضافة الحكم إلى الكتاب مجاز مشهور.
وقرأ الحسن وأبو جعفر والجحدري (١) «ليحكم» ـ مبنيّا للمفعول ـ والقائم مقام الفاعل هو الظرف ، أي : ليقع الحكم بينهم.
قال الزمخشريّ : قوله : (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) يقتضي أن يكون الاختلاف واقعا فيما بينهم ، لا فيما بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (ثُمَّ يَتَوَلَّى) عطف على «يدعون» و «منهم» صفة ل «فريق» ، وقوله : (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) يجوز أن تكون صفة معطوفة على الصفة قبلها ـ فتكون الواو عاطفة ـ وأن تكون في محل نصب على الحال من الضمير المستتر في «منهم» ؛ لوقوعه صفة ـ فتكون الواو واو الحال ـ ويجوز أن تكون حالا من «فريق» ، وجاز ذلك ـ وإن كان نكرة ـ لتخصيصه بالوصف قبله ، وإن كان حالا فيجوز أن تكون مؤكّدة ؛ لأن التولّي والإعراض بمعنى ، ويجوز أن تكون مبينة ؛ لاختلاف متعلّقهما قالوا : لأن التوّلي عن الداعي ، والإعراض عما دعا إليه.
قال ابن الخطيب : «فكأن المتولّي والمعرض هو ذلك الفريق ، والمعنى أنه متولّ عن استماع الحجّة في ذلك المقام ، ومعرض عن استماع سائر الحجج».
ويحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، لا محل لها ، أخبر عنهم بذلك ، فيكون المتولّي هم الرؤساء والعلماء ، والأتباع معرضون عن القبول ؛ لأجل تولّي علمائهم.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٢٥)
قوله : «ذلك» فيها وجهان :
أصحهما : أنها مبتدأ ، والجار بعده خبره ، أي : ذلك التولّي بسبب هذه الأقوال الباطلة ، التي لا حقيقة لها.
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤١٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٣٤ ، والدر المصون ٢ / ٥٢ ، والقرطبي ٤ / ٣٣.