النار ؛ لأنه مستحق للعقاب ـ بتلك الكبيرة ـ ومستحق ثواب الإيمان ، فلا بدّ وأن يوفّى ذلك الثواب ؛ لقوله تعالى : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) فإما أن يثاب في الجنة ثم ينقل إلى النار ، وذلك باطل بالإجماع. وإما أن يعاقب في النار ، ثم ينقل إلى دار الثواب أبدا مخلّدا ، وهو المطلوب. وقد تقدم إبطال تمسك المعتزلة بالعمومات.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن ثواب إيمانهم يحبط بعقاب معصيتهم؟
فالجواب : أن هذا باطل لما تقدم في البقرة من أن القول بالمحابطة محال ؛ وأيضا فإنا نعلم ـ بالضرورة ـ أن ثواب توحيد [سبعين](١) سنة أزيد من عقاب شرب جرعة من الخمر والمنازع فيه مكابر ، وبتقدير القول بصحة المحابطة يمتنع سقوط ثواب كل الإيمان بعقاب شرب جرعة من الخمر.
وكان يحيى بن معاذ ـ رحمهالله ـ يقول : ثواب إيمان لحظة يسقط كفر ستين سنة ، فثواب إيمان ستين سنة كيف يعقل أن لا يحبط عقاب ذنب لحظة؟
قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢٧)
لمّا بيّن دلائل التوحيد والنبوّة ، وصحة دين الإسلام ، وذكر صفات المخالفين ، وشدة عنادهم وغرورهم ، ثم ذكر وعيدهم بجمعهم يوم القيامة ، أمر رسوله ـ عليهالسلام ـ بدعاء وتمجيد يخالف طريقة هؤلاء المعاندين.
قوله : «اللهمّ» اختلف البصريون والكوفيون في هذه اللفظة.
قال البصريون : الأصل : يا الله ، فحذف حرف النداء ، وعوّض عنه هذه الميم المشددة ، وهذا خاصّ بهذا الاسم الشريف ، فلا يجوز تعويض الميم من حرف النداء في غيره ، واستدلوا على أنها عوض من «يا» بأنهم لم يجمعوا بينهما إلا في ضرورة الشعر ، كقوله : [الرجز]
١٣٧٨ ـ وما عليك أن تقولي كلّما |
|
سبّحت أو هلّلت يا اللهمّ ما |
أردد علينا شيخنا مسلّما |
|
فإنّنا من خيره لن نعدما (٢) |
__________________
(١) في أ : ستين.
(٢) ينظر الهمع ٢ / ١٥٧ واللسان (أله) والإنصاف ٢١٢ والدرر ٢ / ٢٢٢٠ ورصف المباني (٣٠٦) ومعاني القرآن للزجاج ١ / ٣٩٦ وللفراء ١ / ٢٠٣ وشرح الكافية ١ / ١٤٦ وضرائر الشعر ص ٥٦ وشرح الكافية ١ / ١٤٦ والخزانة ٢ / ٢٩٦ والإيضاح في شرح المفصل ١ / ٢٩٠ والدر المصون ٢ / ٥٣.