فلما كان هذا الاسم الأصل فيه أن لا يوصف ؛ لما ذكرنا ، كان «اللهم» أولى أن لا يوصف ؛ لأنه قبل ضمّ الميم إليه واقع موقع ما لا يوصف ، فلما ضمّت إليه الميم صيغ معها صياغة مخصوصة فصار حكمه حكم الأصوات ، وحكم الأصوات أن لا توصف نحو غاق ، وهذا ـ مع ما ضمّ إليه من الميم ـ بمنزلة صوت مضموم إلى صوت نحو حيّهل ، فحقه أن لا يوصف ، كما لا يوصف حيّهل.
قال شهاب الدين (١) : «هذا ما انتصر به أبو علي لسيبويه ، وإن كان لا ينتهض مانعا».
قوله : «تؤتي» هذه الجملة ، وما عطف عليها يجوز أن تكون مستأنفة ، مبينة لقوله : (مالِكَ الْمُلْكِ) ويجوز أن تكون حالا من المنادى.
وفي انتصاب الحال من المنادى خلاف ، الصحيح جوازه ؛ لأنه مفعول به ، والحال ـ كما يكون لبيان هيئة الفاعل ـ يكون لبيان هيئة المفعول ، ولذلك أعرب الحذّاق قول النابغة : [البسيط]
١٣٨٧ ـ يا دار ميّة بالعلياء فالسّند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأبد (٢) |
«بالعلياء» حالا من «دار مية» ، وكذلك «أقوت».
والثالث من وجوه «تؤتي» : أن تكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : أنت تؤتي ، فتكون الجملة اسمية وحينئذ يجوز أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالية.
قوله : «تشاء» أي : تشاء ايتاءه ، وتشاء انتزاعه ، فحذف المفعول بعد المشيئة ؛ للعلم به ، والنزع : الجذب ، يقال : نزعه ، ينزعه ، نزعا ـ إذا جذبه ـ ويعبّر به عن الميل ، ومنه : نزعت نفسه إلى كذا كأن جاذبا جذبها ، ويعبر به عن الإزالة ، يقال نزع الله عنك الشر ـ أي : أزاله ـ ومنه قوله تعالى : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) ومثله هذه الآية ، فإن المعنى وتزيل الملك.
فصل في بيان سبب النزول
في سبب النزول وجوه :
أحدها : قال ابن عباس وأنس : أن النبي صلىاللهعليهوسلم حين افتتح مكة ـ وعد أمته ملك فارس والروم ، فقال المنافقون واليهود : هيهات ، هيهات ، من أين لمحمد ملك فارس والروم ـ
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥٥.
(٢) ينظر ديوانه ص ١٤ ، والأغاني ١١ / ٢٧ ، والدرر ١ / ٢٧٤ ، ٦ / ٣٢٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٤ والصاحبي في الفقه ص ٢١٥ ، والكتاب ٢ / ٣٢١ ، والمحتسب ١ / ٢٥١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٥١ وينظر أوضح المسالك ٤ / ٩٢ ، ورصف المباني ص ٤٥٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٣ ، وشرح التصريح ١ / ١٤٠ ولسان العرب (سند) ، (قصد) (جرا) (يا) والدر المصون ٢ / ٥٦.