قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)(٢٨)
العامة على قراءة (١) «لا يتّخذ» نهيا ، وقرأ الضّبّيّ (٢) «لا يتّخذ» برفع الذال ـ نفيا ـ بمعنى لا ينبغي ، أو هو خبر بمعنى النهي نحو (لا تُضَارَّ والِدَةٌ) و (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) ـ فيمن رفع الراء.
قال أبو البقاء وغيره : «وأجاز الكسائيّ فيه [رفع الراء](٣) على الخبر ، والمعنى : لا ينبغي».
وهذا موافق لما قاله الفرّاء ، فإنه قال : «ولو رفع على الخبر ـ كقراءة من قرأ : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ) جاز».
قال أبو إسحاق : ويكون المعنى ـ على الرفع ـ أنه من كان مؤمنا ، فلا ينبغي أن يتخذ الكافر وليا ؛ [لأن ولي الكافر راض بكفره ، فهو كافر](٤).
كأنهما لم يطّلعا على قراءة الضبي ، أو لم تثبت عندهما.
و «يتخذ» يجوز أن يكون متعديا لواحد ، فيكون «أولياء» حالا ، وأن يكون متعديا لاثنين ، وأولياء هو الثاني.
قوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فيه وجهان :
أظهرهما : أن «من» لابتداء الغاية ، وهي متعلقة بفعل الاتخاذ.
قال علي بن عيسى : «أي : لا تجعلوا ابتداء الولاية من مكان دون مكان المؤمنين».
وقد تقدم تحقيق هذا ، عند قوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) في البقرة [الآية ٢٣].
والثاني ـ أجاز أبو البقاء (٥) ـ أن يكون في موضع نصب ، صفة ل «أولياء» فعلى هذا يتعلق بمحذوف.
قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أدغم الكسائيّ اللام في الذال هنا ، وفي مواضع أخر تقدم التنبيه عليها في البقرة.
قوله : (مِنَ اللهِ) الظاهر أنه في محل نصب على الحال من «شيء» ؛ لأنه لو تأخر لكان صفة له.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٤٤١ ، والدر المصون ٢ / ٥٨.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٣٩٨.
(٣) في ب : الدفع.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٣٠.