ثالثها : قال الكلبيّ ـ عن أبي صالح عن ابن عبّاس ـ : نزلت في المنافقين ـ عبد الله بن أبيّ وأصحابه ـ كانوا يتولّون اليهود والمشركين ، ويأتونهم بالأخبار ، يرجون لهم الظفر والنصر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية (١).
ورابعها : أنها نزلت في عبادة بن الصامت ـ وكان له حلفاء من اليهود ـ في يوم الأحزاب قال : يا رسول الله ، معي خمسمائة من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي ، فنزلت هذه الآية في تحريم موالاة الكافرين (٢).
وقد نزلت آيات أخر في هذا المعنى ، منها قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨] ، وقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة : ٢٢] وقوله : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١] وقوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] ، وقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١].
فصل
موالاة الكافر تنقسم ثلاثة أقسام.
الأول : أن يرضى بكفره ، ويصوّبه ، ويواليه لأجله ، فهذا كافر ؛ لأنه راض بالكفر ومصوّب له.
الثاني : المعاشرة الجميلة بحسب الظاهر ، وذلك غير ممنوع منه.
الثالث : الموالاة ، بمعنى الركون إليهم ، والمعونة ، والنّصرة ، إما بسبب القرابة ، وإما بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل ـ فهذا منهيّ عنه ، ولا يوجب الكفر ؛ لأنه ـ بهذا المعنى ـ قد يجره إلى استحسان طريقه ، والرّضى بدينه ، وذلك يخرجه عن الإسلام ، ولذلك هدد الله بهذه الآية ـ فقال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء ـ بمعنى أن يتولوهم دون المؤمنين ـ فأما إذا تولّوهم ، وتولّوا المؤمنين معهم ، فليس ذلك بمنهيّ عنه ، وأيضا فقوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) فيه زيادة مزيّة ؛ لأن الرجل قد يوالي غيره ، ولا يتخذه مواليا له ، فالنهيّ عن اتخاذه مواليا لا يوجب النهي عن أصل موالاته؟
فالجواب : أن هذين الاحتمالين ـ وإن قاما في الآية ـ إلا أن سائر الآيات الدالة على أنه لا يجوز موالاتهم دلت على سقوط هذين الاحتمالين.
فصل
معنى قوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : من غير المؤمنين ، كقوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ
__________________
(١) انظر المصدر السابق.
(٢) انظر المصدر الصابق.