غير ما نحن فيه ـ في نحو قولك : حذرتك نفس زيد ـ أنه لا بد من شيء تحذر منه ـ كالعقاب والسطوة ؛ لأن الذوات لا يتصوّر الحذر منها نفسها ، إنما يتصور من أفعالها وما يصدر عنها».
قال أبو مسلم : «والمعنى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أن تعصوه ، فتستحقوا عقابه».
وعبّر ـ هنا ـ بالنفس عن الذات ؛ جريا على عادة العرب ، كما قال الأعشى : [الكامل]
١٣٩٩ ـ يوما بأجود نائلا منه إذا |
|
نفس الجبان تجهّمت سؤّالها (١) |
قال بعضهم : «الهاء في «نفسه» تعود على المصدر المفهوم من قوله : (لا يَتَّخِذِ) ، أي : ويحذركم الله نفس الاتخاذ ، والنفس : عبارة عن وجود الشيء وذاته».
قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ «النفس» في القرآن على أربعة أضرب :
الأول : بمعنى العلم بالشيء ، والشهادة ، كقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ)، يعني علمه فيكم ، وشهادته عليكم.
الثاني : بمعنى البدن ، قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥].
الثالث : بمعنى الهوى ، كقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] يعني الهوى.
الرابع : بمعنى الروح ، قال تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) [الأنعام : ٩٣] ، أي : أرواحكم.
فصل
المعنى : يخوفكم الله عقوبته على موالاة الكفّار ، وارتكاب المناهي ومخالفة المأمور.
والفائدة في ذكر النفس : أنه لو قال : ويحذركم الله ، فهذا لا يفيد أن الذي أريد التحذير منه هو عقاب يصدر من الله ـ تعالى ـ أو من غيره ، فلما ذكر النفس زالت هذه الأشياء ، ومعلوم أن العقاب الصادر عنه ، يكون أعظم أنواع العقاب ؛ لكونه قادرا على ما لا نهاية له ، وأنه لا قدرة لأحد على دفعه ومنعه مما أراد ، ثم قال : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ،) أي : يحذركم الله عقابه عند مصيركم إليه.
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٩)
لما نهى المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء ـ واستثنى عنه التّقيّة في الظاهر ـ أتبعه
__________________
(١) ينظر : ديوانه (١٤٥) ، والبحر المحيط ٢ / ٤٤٣ ، والصاحبي ص ٤٢٢ ، ورغبة الآمل ٤ / ٥٠ ، والدر المصون ٢ / ٦٢.