ونقل الزمخشريّ : قراءة يحبكم (١) ـ بفتح الياء والإدغام ـ وهو ظاهر ، لأنه متى سكن المثلين جزما ، أو وقفا جاز فيه لغتان : الفك والإدغام. وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله في المائدة.
والحبّ : الخابية ـ فارسيّ معرّب ـ والجمع : حباب وحببة ، حكاه الجوهريّ.
وقرأ الجمهور (فَاتَّبِعُونِي) بتخفيف النون ، وهي للوقاية.
وقرأ الزّهري بتشديدها (٢) ، وخرّجت على أنه ألحق الفعل نون التأكيد ، وأدغمها في نون الوقاية وكان ينبغي له أن يحذف واو الضمير ؛ لالتقاء الساكنين ، إلا أنه شبّه ذلك بقوله : (أَتُحاجُّونِّي) وهو توجيه ضعيف ولكن هو يصلح لتخريج هذا الشذوذ.
وطعن الزجاج على من روى عن أبي عمرو إدغام الراء من «يغفر» في لام «لكم».
وقال : هو خطأ وغلط على أبي عمرو. وقد تقدم تحقيقه ، وأنه لا خطأ ولا غلط ، بل هو لغة للعرب ، نقلها الناس ، وإن كان البصريون لا يجيزون ذلك كما يقول الزجاج.
فصل
اعلم أنه ـ تعالى ـ لما دعاهم إلى الإيمان به وبرسوله على سبيل التهديد والوعيد دعاهم إلى ذلك بطريق آخر ، وهو أن اليهود كانوا يقولون : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] فنزلت هذه الآية.
وروي الضحاك ـ عن ابن عباس ـ أن النبي وقف على قريش ـ وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام وقد علقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها السيوف.
ـ فقال : يا معشر قريش ، والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم ، فقالت قريش : إنما نعبدها حبا لله : (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى ،) فقال الله ـ تعالى ـ : «قل» يا محمد (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) فتعبدون الأصنام لتقربكم إليه (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فأنا رسوله إليكم ، وحجته عليكم أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله (٣).
وقال القرطبي : «نزلت في وفد نجران ؛ إذ زعموا أنّ ما ادّعوه في عيسى حبّ لله عزوجل».
وروي أن المسلمين قالوا : يا رسول الله ، والله إنا لنحب ربّنا ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي)(٤) [آل عمران : ٣١].
__________________
(١) انظر : الكشاف ١ / ٣٥٣ ، وفي الشواذ ٢٠ نسبتها إلى أبي رجاء.
وانظر : البحر المحيط ٢ / ٤٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٦٩.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٢٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٤٨ ، والدر المصون ٢ / ٦٩.
(٣) انظر التفسير الكبير للفخر الرازي ٨ / ١٦.
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٢) من طريق بكر بن الأسود عن الحسن وأخرجه الطبري (٦ / ٣٢٢) وابن ـ