(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) [التوبة : ٦٧] ، أي : بسبب اشتراكهم في النفاق.
قوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قال القفّال : والله سميع لأقوال العباد ، عليم بضمائرهم ، وأفعالهم ، يصطفي من يعلم استقامته قولا وفعلا ، ونظيره قوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ٢٤].
وقيل : إن اليهود كانوا يقولون : نحن من ولد إبراهيم ، وآل عمران ، فنحن أبناء الله ، والنصارى كانوا يقولون المسيح ابن الله ، وكان بعضهم عالما بأن هذا الكلام باطل ، إلا أنه بقي مصرا عليه ، ليطيّب قلوب العوامّ ، فكأنه ـ تعالى ـ يقول : والله (سَمِيعٌ) لهذه الأقوال الباطلة منكم ، «عليم» بأغراضكم الفاسدة من هذه الأقوال ، فيجازيكم عليها ، فكان أول الآية بيانا لشرف الأنبياء والرسل وتهديدا لهؤلاء الكاذبين الذين يزعمون أنهم مستقرون على أديانهم.
قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٣٧)
في الناصب ل «إذ» أوجه :
أحدها : أنه «اذكر» مقدّرا ، فيكون مفعولا به لا ظرفا ، أي : اذكر لهم وقت قول امرأة عمران كيت وكيت وإليه ذهب أبو الحسن وأبو العباس.
الثاني : أن الناصب له معنى الاصطفاء ، أي : «اصطفى» مقدّرا مدلولا عليه ب «اصطفى» الأوّل والتقدير : واصطفى آل عمران ـ إذ قالت امرأة عمران. وعلى هذا يكون قوله : (وَآلَ عِمْرانَ) من باب عطف الجمل لا من باب عطف المفردات ؛ إذ لو جعل من عطف المفردات لزم أن يكون وقت اصطفاء آدم وقول امرأة عمران كيت وكيت ، وليس كذلك ؛ لتغاير الزمانين ، فلذلك اضطررنا إلى تقدير عامل غير هذا الملفوظ به ، وإلى هذا ذهب الزّجّاج وغيره.
الثالث : أنه منصوب ب «سميع» وبه صرح ابن جرير الطبري ، وإليه نحا الزمخشري ؛ فإنه قال : سميع عليم لقول امرأة عمران ونيّتها ، و «إذ» منصوب به.
قال أبو حيّان : ولا يصحّ ذلك ؛ لأن قوله : (عَلِيمٌ) إمّا أن يكون خبرا بعد خبر ، أو وصفا لقوله : «سميع» فإن كان خبرا فلا يجوز الفصل به بين العامل والمعمول ؛ لأنه أجنبيّ عنهما ، وإن كان وصفا فلا يجوز أن يعمل (سَمِيعٌ) في الظرف ؛ لأنه قد وصف ،