من ، وهذا أنث لتأنيث الخبر» ليس كما قال ، بل هو نظيره ، وذلك أنه في الآية الكريمة حمل على معنى «ما» كما حمل هناك على معنى «من» ، وقول الزمخشري : «لتأنيث الخبر» أي لأن المراد ب «من» : التأنيث ، بدليل تأنيث الخبر ، فتأنيث الخبر بيّن لنا أن المراد ب «من» المؤنث كذلك تأنيث الحال وهو أنثى ، بيّن لنا أن المراد ب «ما» في قوله : (ما فِي بَطْنِي) أنه شيء مؤنث ، وهذا واضح لا يحتاج إلى فكر ، وأما قوله : «فقد استفيد من الخبر ما لا يستفاد من الاسم بخلاف (وَضَعْتُها أُنْثى ،) فإنه لمجرد التوكيد» ليس بظاهر أيضا ؛ وذلك لأن الزمخشري إنما أراد بكونه نظيره من حيث إن التأكيد في كلّ من المثالين مفهوم قبل مجيء الحال في الآية وقبل مجيء الخبر في النظير المذكور ؛ أما كونه يفارقه في شيء آخر لعارض ، فلا يضر ذلك في التنظير ، ولا يخرجه عن كونه يشبهه من هذه الجهة ، وقد تحصل لك في هذه الحالة وجهان :
أحدهما : أنها مؤكّدة إن قلنا : إن الضمير في (وَضَعَتْها) عائد على معنى «ما».
الثاني : أنها مبيّنة إن قلنا : إن الضمير عائد على الجبلة والنسمة أو النفس أو الجبلّة لصدق كل من هذه الألفاظ الثلاثة على الذكر والأنثى.
الوجه الثاني من وجهي «أنثى» : أنها بدل من «ها» في (وَضَعَتْها) بدل كل من كل ـ قاله أبو البقاء.
ويكون في هذا البدل بيان ما المراد بهذا الضمير ، وهذا من المواضع التي يفسّر فيها الضمير بما بعده لفظا ورتبة ، فإن كان الضمير مرفوعا نحو : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] ـ على أحد الأوجه ـ فالكل يجيزون فيه البدل ، وإن كان غير مرفوع نحو ضربته زيدا ومررت به زيد فاختلف فيه ، والصحيح جوازه كقول الشاعر : [الطويل]
١٤١٧ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما |
|
على جوده لضنّ بالماء حاتم (١) |
بجر حاتم الأخير بدلا من الهاء في «جوده».
فصل
والفائدة في قولها : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) أنه تقدم منها النذر في تحرير ما في بطنها ، وكان الغالب على ظنّها أنه ذكر ، فلم تشترط ذلك في كلامها ، وكانت عادتهم تحرير الذكر ، لأنه هو الذي يفرّغ لخدمة المسجد دون الأنثى ، فقالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) خائفة أن نذرها لم يقع الموقع الذي يعتد به ، ومعتذرة من إطلاقها النذر المتقدم ، فذكرت ذلك على سبيل الاعتذار ، لا على سبيل الإعلام ؛ تعالى الله عن [أن يحتاج إلى إعلامها](٢).
__________________
(١) تقدم برقم ٦٤١.
(٢) في أ : ذلك.