الاعتراض ـ بين بعض أجزائها ، وبعض اعتراض بجملة ـ وهي قوله : (لَوْ تَعْلَمُونَ) اعتراض بها بين المنعوت الذي هو «لقسم» ـ وبين نعته ـ الذي هو «عظيم» ـ فهذا اعتراض ، فليس فصلا بجملتي اعتراض كقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).
قال شهاب الدين (١) : والمشاحّة بمثل هذه الأشياء ليست طائلة ، وقوله : «ليس فصلا بجملتي اعتراض» ممنوع ، بل هو فصل بجملتي اعتراض ، وكونه جاء اعتراضا في اعتراض لا يضر ولا يقدح في قوله : فصل بجملتين» ف «سمى» يتعدى لاثنين ، أحدهما بنفسه ، وإلى الآخر بحرف الجر ، ويجوز حذفه ، تقول : سميت زيدا ، والأصل : بزيد ، وجمع الشاعر بين الأصل والفرع في قوله : [المتقارب]
١٤١٨ ـ وسمّيت كعبا بشرّ العظام |
|
وكان أبوك يسمّى الجعل (٢) |
أي يسمى بالجعل ـ وقد تقدم الكلام في مريم واشتقاقها ومعناها.
فصل
ظاهر هذا الكلام يدل على أن عمران كان قد مات قبل وضع حنّة مريم ، فلذلك تولّت الأم تسميتها ؛ لأن العادة أن التسمية يتولّاها الآباء ، وأرادت بهذه التسمية أن تطلب من الله أن يعصمها من آفات الدين والدنيا ؛ لأن مريم ـ في لغتهم ـ العبادة ، ويؤكد ذلك قوله : بعد ذلك: (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ). وقولها : (سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) جعلت هذا اللفظ اسما لها وهذا يدل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور ثلاثة متغايرة ، وعلى أن تسمية الولد يكون يوم الوضع.
قوله : (وَإِنِّي أُعِيذُها) عطف على (وَإِنِّي سَمَّيْتُها) وأتى ـ هنا ـ بخبر «إنّ» فعلا مضارعا ؛ دلالة على طلبها استمرار الاستعاذة دون انقطاعها ، بخلاف قوله : (وَضَعَتْها) و (سَمَّيْتُها) حيث أتى بالخبرين ماضيين ؛ لانقطاعهما ، وقدم المعاذ به على المعطوف ؛ اهتماما به.
وفتح نافع ياء المتكلم قبل هذه الهمزة المضمومة ، وكذلك ياء وقع بعدها همزة مضمومة إلا في موضعين فإن الكلّ اتفقوا على سكونها فيهما ـ : (بِعَهْدِي أُوفِ) [البقرة : ٤٠] و (آتُونِي أُفْرِغْ) [الكهف : ٩٦] والباقي عشرة مواضع ، هذا الذي في هذه السورة أحدها.
فصل
لما فاتها ما كانت تريد من أن يكون رجلا خادما للمسجد ، تضرعت إلى الله تعالى
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٧٥.
(٢) البيت لعتبة بن الوغل التغلبي ونسبه صاحب الخزانة إلى الأخطل وليس في ديوانه. ينظر : الشعر والشعراء ٢ / ٦٥٣ والاشتقاق ص ٣٣٦ ومعجم الشعراء ص ٨٤ والخزانة ١ / ٤٦٠ والمؤتلف والمختلف (٨٤) والدر المصون ٢ / ٧٥.