أن يحفظها من الشيطان ، وأن يجعلها من الصالحات القانتات.
قال القرطبي : «معنى قوله : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) يعني خادم الرب ـ بلغتهم ـ (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ) مريم. (وَذُرِّيَّتَها) عيسى. وهذا يدل على أن الذرية قد تقع على الولد خاصّة».
قوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) الجمهور على (فَتَقَبَّلَها) فعلا ماضيا على «تفعّل» بتشديد العين ـ و (رَبُّها) فاعل به ، وتفعل يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون بمعنى المجرّد ـ أي فقبلها ـ بمعنى رضيها مكان الذّكر المنذور ، ولم يقبل أنثى منذورة ـ قبل مريم ـ كذا ورد في التفسير ، و ـ «تفعّل» يأتي بمعنى «فعل» مجرّدا ، نحو تعجب وعجب من كذا ، وتبرّأ وبرىء منه.
والثاني : أن «تفعل» بمعنى : استفعل ، أي : فاستقبلها ربّها ، يقال : استقبلت الشيء أي : أخذته أول مرة.
والمعنى : أن الله تولّاها من أول أمرها وحين ولادتها.
ومنه قول الشاعر : [الوافر]
١٤١٩ ـ وخير الأمر ما استقبلت منه |
|
وليس بأن تتبّعه اتّباعا (١) |
ومنه المثل : خذ الأمر بقوابله. و «تفعّل» بمعنى «استفعل» كثير ، نحو : تعظم ، واستعظم ، وتكبر ، واستكبر ، وتعجّل واستعجل.
قال بعض العلماء : «إن ما كان من باب التفعّل ، فإنه يدل على شدة اعتناء ذلك الفاعل بإظهار ذلك الفعل ، كالتصبّر والتجلّد ، ونحوهما ، فإنهما يفيد أن الجدّ في إظهار الصبر والجلد ، فكذا هنا التقبل يفيد المبالغة في إظهار القبول».
فإن قيل : فلم لم يقل : فتقبلها ربّها بتقبّل حسن ، حتى تكمل المبالغة؟
فالجواب : أنّ لفظ التّقبّل ـ وإن أفاد ما ذكرنا ـ يفيد نوع تكلّف خلاف الطبع ، فذكر التقبل ، ليفيد الجد والمبالغة ، ثم ذكر القبول ، ليفيد أن ذلك ليس على خلاف الطبع ، بل على وفق الطبع ، وهذه الوجوه ـ وإن كانت ممتنعة في حقّ الله تعالى ـ تدل من حيث الاستعارة ـ على حصول العناية العظيمة في تربيتها ، وهو وجه مناسب.
والباء ـ في قوله : «بقبول» ـ فيها وجهان :
أحدهما : أنها زائدة ، أي : قبولا ، وعلى هذا فينتصب «قبولا» على المصدر الذي جاء على حذف الزوائد ؛ إذ لو جاء على «تقبّل» لقيل : تقبّلا ، نحو تكبّر تكبّرا.
وقبول : من المصادر التي جاءت على «فعول» ـ بفتح الفاء ـ قال سيبويه : خمسة
__________________
(١) تقدم.