والثاني : قال بعضهم : «الأنبياء مأمورون بإظهارها ، والأولياء مأمورون بإخفائها».
والثالث : أن النبي يدّعي المعجزة ويقطع به ، والولي لا يمكنه القطع به.
الرابع : أن المعجزة يجب انفكاكها عن المعارضة ، والكرامة لا يجب انفكاكها عن المعارضة.
قوله : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) يحتمل أن يكون من جملة كلام مريم ـ عليهاالسلام ـ فيكون منصوبا.
ويحتمل أن يكون مستأنفا ، من كلام الله تعالى ، وتقدم الكلام على نظيره.
القصّة الثانية
قوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٤١)
«هنا» هو الاسم ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب ، وهو منصوب على الظرف المكاني ب «دعا» وزان «ذلك» ، وهو منصوب على الظرف المكاني ، ب «دعا» أي : في ذلك المكان الذي رأى فيه ما رأى من أمر مريم ، وهو ظرف لا يتصرف بل يلزم النصب على الظرفية ب «من» و «إلى».
قال الشاعر : [الرجز]
١٤٢٦ ـ قد وردت من أمكنه |
|
من هاهنا ومن هنه (١) |
وحكمه حكم «ذا» من كونه يجرّد من حرف التنبيه ، ومن الكاف واللام ، نحو «هنا» وقد يصحبه «ها» التنبيه ، نحو هاهنا ، ومع الكاف قليلا ، نحو ها هناك ، ويمتنع الجمع بينها وبين اللام. وأخوات «هنا» بتشديد النون مع فتح الهاء وكسرها ـ و «ثمّ» بفتح الثاء ـ وقد يقال : «هنّت». ولا يشار ب «هنالك» وما ذكر معه إلا للأمكنه ، كقوله : (فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) [الأعراف : ١١٩] وقوله : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) [الكهف : ٤٤] وقوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣].
__________________
(١) ينظر ابن يعيش ٣ / ١٣٨ و ٩ / ٨١ والهمع ١ / ٧٨ والمنصف ٢ / ١٥٦ والدرر ١ / ٥٢ واللسان (للكميت) وضرائر الشعر ص ٢٣٢ والدرر اللوامع ١ / ٥٢ و ٢ / ٢١٤ و ٢٣٣ وشرح شواهد الشافية ص ٤٧٩ والدر المصون ٢ / ٨٠.