وقد زعم بعضهم أن «هنا» و «هناك» و «هنالك» للزمان ، فمن ورود «هنالك» بمعنى الزمان عند بعضهم ـ هذه الآية أي : في ذلك الزمان دعا زكريا ربه ، ومثله : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ،) وقوله : (فَغُلِبُوا هُنالِكَ) ومنه قول زهير : [الطويل]
١٤٢٧ ـ هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا |
|
........... (١) |
ومن «هنا» قوله : [الكامل]
١٤٢٨ ـ حنّت نوار ولات هنّا حنّت |
|
وبدا الّذي كانت نوار أجنّت (٢) |
لأن «لات» لا تعمل إلا في الأحيان.
وفي عبارة السجاوندي أن «هناك» في المكان ، و «هنالك» في الزمان ، وهو سهو ؛ لأنها للمكان سواء تجردت ، أو اتصلت بالكاف واللام معا ، أم بالكاف من دون اللام.
فصل
ذكر المفسّرون أن زكريا ـ عليهالسلام ـ لما رأى خوارق العادة عند مريم طمع في خرق العادة في حقه ، فرزقه الله الولد من الشيخة العاقر.
فإن قيل : لم قلتم : إنّ زكريا ـ عليهالسلام ـ ما كان عالما بأن الله قادر على خرق العادة إلا عند مشاهدة تلك الكرامات عند مريم ، وهذه النسبة شكّ في قدرة الله ـ تعالى ـ من زكريا ، وإن قلتم بأنه كان عالما بقدرة الله تعالى على ذلك لم تكن المشاهدة سببا لزيادة علمه بقدرة الله ـ تعالى ـ فلم يكن لمشاهدته لتلك الكرامات أثر في السببية؟
فالجواب : أنه كان عالما قبل ذلك بالخوارق ، أما أنّه هل تقع أم لا؟ فلم يكن عالما به ، فلما شاهد وعلم أنه إذا وقع كرامة لوليّ فبأن يجوز وقوع معجزة لنبيّ كان أولى ، فلا جرم قوي طمعه عند ذلك.
قوله : (مِنْ لَدُنْكَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه يتعلق ب «هب» وتكون «من» لابتداء الغاية مجازا ، أي : يا رب هب
__________________
(١) صدر بيت وعجزه :
وإن يسألوا يعطوا وأن ييسروا يغلوا
ينظر الخصائص ١ / ٩٨ والمعاني الكبير ١ / ٥٣٩ ورغبة الآمل ١ / ١٢٤ ومجاز القرآن ٢ / ١٨٨ والصناعتين ص ١١٧ والدر المصون ٢ / ٨٠.
(٢) البيت لشبيب بن جعيل ينظر شواهد المغني ص ٩١٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٩٥ ، والدرر ١ / ٢٤٤ ، ٢ / ١١٩ ، والمؤتلف والمختلف ص ٨٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤١٨ ، ولحجل بن نضلة في الشعر والشعراء ص ١٠٢ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ص ٥٩٢ ، وجواهر الأدب ص ٢٤٩ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٦٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٦٦ ، ١٢٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٧٨ ، ١٢٦ ، والجنى الداني ص ٤٨٩ ، وتخليص الشواهد ص ١٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٧٣٤ والدر المصون ٢ / ٨٠.