وإن شئت جعلته منصوبا بمقدّر ، قاله أبو البقاء.
وقرأ ابن مسعود وابن عمر : وإذ قال الملائكة ، ـ دون تاء تأنيث (١) ، وتقدم توجيهه في «فناداه الملائكة» ـ ومعمول القول الجملة المؤكدة ب «إنّ» ـ من قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) ـ وكرر الاصطفاء ؛ رفعا من شأنها.
قال الزمخشريّ : «اصطفاك أولا حين تقبّلك من أمّك ، وربّاك ، واختصك بالكرامة السنية ، واصطفاك آخرا على نساء العالمين ، بأن وهب لك عيسى من غير أب ، ولم يكن ذلك لأحد من النساء».
واصطفى : «افتعل» من الصفوة أبدلت التاء طاء ؛ لأجل حرف الإطباق كما تقدم تقريره في البقرة ، وتقدم سبب تعديه ب «على» وإن كان أصل تعديته بمن.
وقال أبو البقاء : «وكرر اصطفى إما توكيدا وإما لتبيين من اصطفاها عليهم».
وقال الواحديّ : «وكررّ الاصطفاء ؛ لأنّ كلا الاصطفاءين يختلف معناهما ، فالاصطفاء الأول عموم يدخل فيه صوالح النساء ، والثاني : اصطفاء بما اختصت به من خصائصها».
فصل
المراد بالملائكة ـ هنا جبريل وحده كقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [النحل : ٢] يعني : جبريل وإنما عدلنا عن الظاهر ؛ لأن سورة مريم دلت على أن المتكلم مع مريم عليهالسلام هو جبريل ؛ لقوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) [مريم : ١٧].
فصل
اعلم أن مريم ـ عليهاالسلام ـ ما كانت من الأنبياء ، لقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [الأنبياء : ٧] ، وهذا الاستدلال فيه نظر ؛ لأن الإرسال ليس هو المدّعى ، وإنما المدّعى هو النبوة ، فإنّ كلّ رسول نبيّ ، وليس كلّ نبيّ رسولا ، وإذا كان كذلك كان إرسال جبريل إليها إمّا يكون كرامة لها ـ وهو مذهب من يجوز كرامات الأولياء ـ وإرهاصا لعيسى ، والإرهاص : هو مقدمة تأسيس النبوة ، وإما أن يكون معجزة لزكريا عليهالسلام وهو قول جمهور المعتزلة.
وقال بعضهم : إن ذلك كان على سبيل النفث في الرّوع ، والإلهام ، والإلقاء في القلب ، كما كان في حقّ أم موسى ـ عليهالسلام ـ في قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص : ٧].
فصل
قيل : المراد بالاصطفاء الأول أمور :
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٣٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٧٦ ، والدر المصون ٢ / ٩١.