ذلك شاب رأسي. فسأله عن النزع ، فقال : يا روح الله ، إن مرارة النزع لم تذهب من حنجرتي ـ وكان قد مر على وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة ـ ثم قال للقوم : صدّقوه ؛ فإنه نبيّ ، فآمن به بعضهم ، وكذّبه بعضهم ، وقالوا : هذا سحر.
فصل
قيّد قوله : (أَنِّي أَخْلُقُ) بإذن الله ؛ لأنه خارق عظيم ، فأتى به ؛ دفعا لتوهّم الإلهية ، ولم يأت فيه فيما عطف عليه في قوله : (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) ثم قيّد الخارق الثالث ـ أيضا ـ بإذن الله ؛ لأنه خارق عظيم أيضا ـ وعطف عليه قوله : (وَأُنَبِّئُكُمْ) من غير تقييد له ونبهه على عظم ما قبله ، ودفعا لوهم من يتوهم فيه الإلهيّة ، أو يكون قد حذف القيد من المعطوفين ؛ اكتفاء به في الأول والأول أحسن.
قوله : (بِما تَأْكُلُونَ) يجوز في «ما» أن تكون موصولة ـ اسميّة أو حرفيّة ـ أو نكرة موصوفة. فعلى الأول والثالث تحتاج إلى عامل بخلاف الثاني ـ عند الجمهور ـ وكذلك «ما» في قوله : (وَما تَدَّخِرُونَ) محتملة لما ذكر. وأتى بهذه الخوارق الأربع بلفظ المضارع ؛ دلالة على تجدّد ذلك كلّ وقت طلب منه.
قوله : (تَدَّخِرُونَ) قراءة العامة بدال مشدّدة مهملة ، وأصله : تذتخرون ـ تفتعلون ـ من الذخر ، وهو التخبية ، يقال : ذخر الشيء يذخره ذخرا ، فهو ذاخر ومذخور ـ أي : خبّأه.
قال الشاعر : [البسيط]
١٤٨١ ـ لها أشارير من لحم تتمّره |
|
من الثّعالي وذخر من أرانيها (١) |
الذخر : فعل بمعنى المذخور ، نحو الأكل بمعنى المأكول ، وبعض النحويين يصحّف هذا البيت فيقول : ووخز ـ بالواو والزاي ـ وقوله : من الثّعالي ، وأرانيها ، يريد : الثعالب ، وأرانبها ، فأبدل الباء الموحدة باثنتين من تحتها.
ولما كان أصله : تذتخرون ، اجتمعت الذال المعجمة مع تاء الافتعال ، فأبدلت تاء الافتعال دالا مهملة ، فالتقى بذلك متقاربان ـ الدال والذال ـ فأبدل الذال ـ المعجمة ـ دالا ، وأدغمها في الذال المعجمة ـ فصار اللفظ : تدّخرون.
وقد قرأ السوسيّ ـ في رواية عن أبي عمرو ـ تذدخرون (٢) بقلب تاء الافتعال دالا مهملة من غير إدغام ، وهذا وإن كان جائزا إلا أن الإدغام هو الفصيح.
__________________
(١) البيت لأبي كاهل اليشكري. ينظر الكتاب ١ / ٣٤٤ وابن يعيش ٢ / ٢٥٨ ومجالس ثعلب ٢٢٩ واللسان (تمر) والمقتضب ١ / ٣٨٢ والهمع ١ / ١٨١ و ٢ / ١٥٧ وضرائر الشعر ص ٢٢٦ وشرح شواهد الشافية ص ٤٤٣ والبحر المحيط ٢ / ٤٧٦ والدر المصون ٢ / ٢ / ١٠٨.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٢ / ١٠٨.