مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [آل عمران : ٧] ، فظهر بما ذكرنا أن قوله : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) يدل على أن المسيح ليس بإله ، ولا ابن الإله.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) جواب عن تعلّقهم بالعلم ، وقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) جواب عن تمسّكهم بقدرته على الإحياء والإماته ، وعن تمسّكهم بأنه ما كان له أب من البشر ، وقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) جواب عن تمسّكهم بما ورد في القرآن من أن عيسى روح الله وكلمته.
الاحتمال الثاني : أنه تعالى لما ذكر أنه قيوم ، والقيوم هو القائم بإصلاح مصالح [الخلق](١) ، وذلك لا يتم إلا بأمرين :
الأول : أن يكون عالما بجميع حاجاتهم بالكمية والكيفية.
الثاني : أن يكون قادرا على دفع حاجاتهم ، فالأول لا يتم إلا إذا كان عالما بجميع المعلومات ، والثاني لا يتم إلا إذا كان قادرا على جميع الممكنات ، ثم إنه استدل على كونه عالما بجميع المعلومات بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) وذلك يدل على كمال علمه ، وإثبات كونه عالما لا يجوز أن يكون بالسمع ؛ لأن معرفة صحة السمع موقوفة على العلم بكونه تعالى عالما ما بجميع المعلومات ، وإنما الطريق إليه بالدليل العقلي ، وذلك بأن نقول : إن أفعال الله محكمة متقنة والفعل المحكم المتقن يدل على كون فاعله عالما ، وإذا كان دليل كونه تعالى عالما ما ذكرنا ، فحين ادعى كونه عالما بجميع المعلومات بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [أتبعه](٢) بالدليل العقلي ، وهو أنه يصوّر في ظلمات الأرحام هذه البنية العجيبة ويركبها تركيبا غريبا من أعضاء مختلفة في الشكل والطبع والصفة ، فبعضها أعصاب ، وبعضها أوردة ، وبعضها شرايين ، وبعضها عضلات ، ثم إنه ضمّ بعضها إلى بعض على أحسن تركيب وأكمل تأليف ، وذلك يدل على كمال قدرته ، حيث قدر أن يخلق من قطرة من نطفة هذه الأعضاء المختلفة في الطبع والشكل واللون ، فدلّ هذا الفعل المحكم المتقن على كمال علمه وقدرته.
قوله : (فِي الْأَرْضِ) يجوز أن يتعلق ب «يخفى» ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «شيء».
فصل
المراد بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : لا يخفى عليه شيء.
فإن قيل : ما فائدة قوله : (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) مع أنه لو أطلق لكان أبلغ؟
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : استدل عليه.