السلام ، ولقوا منهم الجهد ، فبلغ ذلك ملك الروم ، وكان ملك اليهود من رعيته ، فقيل له : إن رجلا من بني إسرائيل ممن تحت أمرك كان يخبرهم أنه رسول الله ، وأراهم إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وفعل وفعل ، فقال : لو علمت ذلك ما خلّيت بينهم وبينه. ثم بعث إلى الحواريين ، فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن عيسى ، فأخبروه وبايعوه على دينهم ، وأنزل المصلوب ، فغيبه ، وأخذ الخشبة ، فأكرمها وصانها ، ثم غزا بني إسرائيل وقتل منهم خلقا عظيما ، ومنه ظهر أصل النصرانية في الروم وكان اسم هذا الملك طباريس ، وصار نصرانيا إلا أنه ما أظهر ذلك ، ثم جاء بعده ملك آخر يقال طبطيوس غزا بيت المقدس بعد رفع عيسى بنحو من أربعين سنة ، فقتل وسبى ، ولم يترك في مدينة بيت المقدس حجرا على حجر ، فخرج عند ذلك قريظة والنضير إلى الحجاز ، فهذا كله مما جازاهم الله تعالى به على تكذيب المسيح والهمّ بقتله.
الرابع : أن الله تعالى سلّط عليهم ملك فارس ، فقتلهم ، وسباهم ، وهو قوله : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) [الإسراء : ٥] فهذا هو مكر الله ـ تعالى ـ بهم.
الخامس : يحتمل أن يكون المراد منهم أنهم مكروا في إخفاء أمره ، وإبطال دينه ، ومكر الله بهم ، حيث أعلى دينه ، وأظهر شريعته ، وقهر بالذل أعداءه ـ وهم اليهود.
وفي قوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) إيقاع الظاهر موقع المضمر ؛ إذ الأصل : ومكروا ومكر الله ، وهو خير بالماكرين
قوله : (إِذْ قالَ اللهُ) في ناصبه ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله : (وَمَكَرَ اللهُ) أي : مكر الله بهم في هذا الوقت.
الثاني : (خَيْرُ الْماكِرِينَ).
الثالث : أنه «اذكر» ـ مقدّرا ـ فيكون مفعولا به كما تقدم تقريره.
قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ ،) فيه وجهان :
أحدهما : وهو الأظهر ـ أن يكون الكلام على حاله ـ من غير ادعاء تقديم وتأخير فيه ـ بمعنى إني مستوفي أجلك ومؤخرك وعاصمك من أن يقتلك الكفار ، إلى أن تموت حتف أنفك ـ من غير أن تقتل بأيدي الكفار ـ ورافعك إلى سمائي.
الثاني : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والأصل : رافعك إليّ ومتوفيك ؛ لأنه رفع إلى السماء ، ثم يتوفى بعد ذلك ، والواو للجمع ، فلا فرق بين التقديم والتأخير قاله أبو البقاء.
ولا حاجة إلى ذلك مع إمكان إقرار كل واحد في مكانه مما تقدم من المعنى ، إلا