امتنع حمل الاسم بعدها على إضمار فعل ، ومن جوّز ذلك قال : بأنه يضمر الفعل متأخّرا عن الاسم ، ولا يضمر قبله. قال : لئلا يلي «أمّا» فعل ـ وهي لا يليها الأفعال ألبتة ـ فتقدّر ـ في قولك : أما زيدا فضربته ـ أما زيدا ضربت فضربته ، وكذا هنا يقدّر : فأما الذين كفروا أعذّب فأعذّبهم ؛ قدر العامل بعد الصلة ، ولا تقدره قبل الموصول ؛ لما ذكرناه. وهذا ينبغي أن لا يجوز ؛ لعدم الحاجة إليه مع ارتكاب وجه ضعيف جدّا في أفصح الكلام.
وقد قرىء شاذّا (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ٢٤] بنصب «ثمود» واستضعفها الناس.
فصل
عذاب الكفار ـ في الدنيا ـ بالقتل والسبي والجزية والذلة ، وفي الآخرة بالنار أي : في وقت الآخرة بالنار (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
فإن قيل : وصف العقاب بالشدة يقتضي أن يكون عقاب الكافر في الدنيا أشد ، ولسنا نجد الأمر كذلك فإن الأمر تارة يكون على الكفار ، وأخرى على المسلمين ، ولا نجد بين الناس تفاوتا.
فالجواب : أن التفاوت في الدنيا موجود ؛ لأن الآية في بيان أمر اليهود الذين كذبوا بعيسى ـ عليهالسلام ، ونرى الذّلّة والمسكنة لازمة لهم.
فإن قيل : أليس قد يمتنع على الأئمة وعلى المؤمنين قتل الكفار ؛ بسبب العهد وعقد الذّمّة؟
فالجواب : أن المانع من القتل هو العهد ، ولذلك إذا زال العهد حلّ قتله.
قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الكلام فيه كالكلام في الموصول قبله.
وقد قرأ حفص عن عاصم والحسن (فَيُوَفِّيهِمْ) ـ بياء الغيبة ـ والباقون بالنون (١). فقراءة حفص على الالتفات من التكلّم إلى الغيبة ؛ تفنّنا في الفصاحة ، وقراءة الباقين جارية على ما تقدم من إتّساق النظم ، ولكن جاء هناك بالمتكلم وحده ، وهنا بالمتكلم وحده المعظم نفسه ؛ اعتناء بالمؤمنين ، ورفعا من شأنهم ؛ لمّا كانوا معظّمين عنده.
فصل
دلّت هذه الآية على أن العمل الصالح خارج عن مسمّى الإيمان وقد تقدم ذلك ، واستدلوا بالآية على أن العمل علة للجزاء ؛ لقوله : (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) فشبههم ـ في عبادتهم لأجل طلب الثوّاب بالمستأجر.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٠٦ ، والكشف ١ / ٣٤٥ ، والحجة ٣ / ٤٤ ، ٤٥ ، والعنوان ٧٩ ، وحجة القراءات ١٦٤ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٤ ، وشرح شعلة ٣١٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٥٩ ، وإتحاف ١ / ٤٨٠.