واحتج المعتزلة بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ـ بمنزلة قوله : لا يريد ظلم الظالمين ـ على أنه تعالى ـ لا يريد الكفر والمعاصي ، قالوا : لأن مريد الشيء لا بد وأن يكون محبّا له إذا كان ذلك الشيء من الأفعال ، وإنما تخالف المحبة الإرادة إذا علقناهما بالأشخاص ، فقد يقال : أحبّ زيدا ، ولا يقال : أريده. فأما إذا علّقتا بالأفعال فمعناهما واحد ، إذا استعملتا على حقيقة اللغة ، فصار قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) بمنزلة قوله : لا يريد ظلم الظالمين كذا قرره القاضي.
وأجيب بأن المحبة عبارة عن إرادة إيصال الخير إليه فهو ـ تعالى ـ وإن أراد كفر الكافر إلا أنه لا يريد إيصال الثواب إليه.
قوله : (ذلِكَ نَتْلُوهُ) يجوز أن يكون «ذلك» مبتدأ ، «نتلوه» الخبر «من الآيات» حال أو خبر بعد خبر.
ويجوز أن يكون «ذلك» منصوبا بفعل مقدّر يفسّره ما بعده ـ فالمسألة من باب الاشتغال ـ و «من الآيات» حال ، أو خبر مبتدأ مضمر [أي : هو من الآيات ، ولكنّ الأحسن الرفع بالابتداء ؛ لأنه لا يحوج إلى إضمار ، وعندهم «زيد ضربته» أحسن من «زيدا ضربته» ، ويجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ مضمر](١) ، يعني الأمر ذلك ، و «نتلوه» على هذا حال من اسم الإشارة ، و (مِنَ الْآياتِ) حال من مفعول «نتلوه».
ويجوز أن يكون «ذلك» موصولا بمعنى «الذي» و «نتلوه» صلة وعائد ، وهو مبتدأ خبره الجار بعده أي : الذي نتلوه عليك كائن من الآيات ، أي : المعجزات الدالة على نبوتك. جوّز ذلك الزّجّاج وتبعه الزمخشريّ ، وهذا مذهب الكوفيين.
أما البصريون فلا يجيزون أن يكون اسما من أسماء الإشارة موصولا إلا «ذا» خاصة ، بشروط تقدم ذكرها ؛ ويجوز أن يكون «ذلك» مبتدأ ، و «من الآيات» خبره ، و «نتلوه» جملة في موضع نصب على الحال ، والعامل معنى اسم الإشارة.
قوله : «نتلوه» فيه وجهان :
أحدهما : أنه وإن كان مضارعا لفظا فهو ماض معنى ، أي : الذي قدمناه من قصة عيسى وما جرى له تلوناه عليك ، كقوله : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) [البقرة : ١٠٢].
والثاني : أنه على بابه ؛ لأن الكلام لم يتم ، ولم يفرغ من قصة عيسى ـ عليهالسلام ـ إذ بقي منها بقية.
و «من» فيها وجهان :
أظهرهما : أنها تبعيضية ؛ لأن المتلوّ عليه ـ من قصة عيسى ـ بعض معجزاته وبعض
__________________
(١) سقط في ب.