القرآن وهذا أوجه وأوضح. والمراد بالآيات ـ على هذا ـ العلامات الدالة على نبوتك.
والثاني : أنها لبيان الجنس ، وإليه ذهب ابن عطيّة وبدأ به.
قال أبو حيّان : ولا يتأتّى ذلك من جهة المعنى إلا بمجاز ؛ لأن تقدير «من» البيانية بالموصول ليس بظاهر ؛ إذ لو قلت : ذلك نتلوه عليك الذي هو الآيات والذكر الحكيم لاحتجت إلى تأويل ، وهو أن تجعل بعض الآيات والذكر آيات وذكرا [على سبيل المجاز](١).
والحكيم : صيغة مبالغة محول من «فاعل». ووصف الكتاب بذلك مجازا ؛ لأن هذه الصفة الحقيقية لمنزّله والمتكلم به ، فوصف بصفة من هو من سببه ـ وهو الباري تبارك وتعالى ـ أو لأنه ناطق بالحكمة أو لأنه أحكم في نظمه. وجوزوا أن تكون بمعنى «مفعل» أي : محكم ، كقوله : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) [هود : ١] إلا أن «فعيل» بمعنى «مفعل» قليل ، قد جاءت منه أليفاظ ، قالوا : عقدت العسل فهو عقيد ومعقد وحبست الفرس [في سبيل الله](٢) فهو حبيس ومحبس. وفي قوله : «نتلوه» التفات من غيبة إلى تكلّم ؛ لأنه قد تقدمه اسم ظاهر ـ وهو قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ـ) كذا قاله أبو حيّان ، وفيه نظر ؛ إذ يحتمل أن يكون قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) جيء به اعتراضا بين أبعاض هذه القصّة.
فصل
التلاوة والقصص واحد ؛ لأن معناهما يرجع إلى شيء يذكر بعضه على أثر بعض ثم إنه تعالى أضاف القصص إلى نفسه فقال : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] كما أضاف التلاوة إلى نفسه في قوله : (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى) [القصص : ٣] ، وذلك يدل على تشريف الملك وتعظيمه ؛ لأن التالي على النبي إنما هو الملك ، فجعل تلاوة الملك جارية مجرى تلاوته.
والمراد بالذكر الحكيم هو القرآن.
وقيل : هو اللّوح المحفوظ الّذي منه نقلت الكتب المنزلة على الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ أخبر ـ تعالى ـ أنّه أنزل هذه القصص مما كتب هنالك.
قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٦٠)
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى) جملة مستأنفة لا تعلّق لها بما قبلها تعلقا صناعيا ، بل معنويّا. وزعم بعضهم أنها جواب القسم ، وذلك القسم هو قوله : (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) كأنه قيل :
__________________
(١) في أ : وهو مجاز.
(٢) سقط في ب.