أقسم بالذكر الحكيم أنّ مثل عيسى ، فيكون الكلام قد تم عند قوله : (مِنَ الْآياتِ) ثم استأنف قسما ، فالواو حرف جرّ ، لا عطف وهذا بعيد ، أو ممتنع ؛ إذ فيه تفكيك لنظم القرآن ، وإذهاب لرونقه وفصاحته.
قوله : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) في هذه الجملة وجهان :
أظهرهما : أنها مفسّرة لوجه الشبه بين المثلين ، فلا محلّ لها حينئذ من الإعراب.
الثاني : أنها في محل نصب على الحال من آدم عليهالسلام و «قد» معه مضمرة ، والعامل فيها معنى التشبيه والهاء في «خلقه» عائدة على «آدم» ولا تعود على «عيسى» لفساد المعنى.
وقال ابن عطية : «ولا يجوز أن تكون خلقه [صفة](١) لآدم ولا حالا منه».
قال الزّجّاج : إذ الماضي لا يكون حالا أنت فيها ، بل هو كلام مقطوع منه مضمّن تفسير المثل ، كما يقال في الكلام : مثلك مثل زيد ، يشبه في أمر من الأمور ، ثم يخبر بقصة زيد ، فيقول : فعل كذا وكذا.
قال أبو حيّان (٢) : «وفيه نظر» ولم يبيّن وجه النظر.
قال شهاب الدّين (٣) : «والظاهر من هذا النظر أن الاعتراض ـ وهو قوله : لا يكون حالا أنت فيها غير لازم ؛ إذ تقدير «قد» تقرّبه من الحال. وقد يظهر الجواب عما قاله الزّجّاج من قول الزمخشريّ : قدره جسدا من طين (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) أي : أنشأه بشرا».
قال أبو حيّان (٤) : ولو كان الخلق بمعنى الإنشاء ـ لا بمعنى التقدير ـ لم يأت بقوله : «كن» ؛ لأن ما خلق لا يقال له : كن ، ولا ينشأ إلا إن كان معنى : (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) عبارة عن نفخ الرّوح فيه.
وقال الواحديّ : قوله (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ليس بصلة لآدم ولا صفة ؛ لأن الصّلة للمبهمات ، والصفة للنّكرات ، ولكنه خبر مستأنف على وجه التفسير لحال آدم عليهالسلام.
وعلى قول الزجّاج : (مِنْ تُرابٍ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه متعلق ب «خلقه» أي : ابتدأ خلقه من هذا الجنس.
الثاني : أنه حال من مفعول «خلقه» تقديره : خلقه كائنا من تراب ، وهذا لا يساعده المعنى.
والمثل هاهنا منهم من فسّره بمعنى الحال والشأن.
__________________
(١) في أ : صلة.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٥٠١.
(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ١١٨.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٥٠١.