فيدخلها ، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها» (١).
وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يدخل الملك على النّطفة بعد ما تستقرّ في الرّحم بأربعين أو خمسة وأربعين يوما ، فيقول : يا ربّ أشقيّ أو سعيد؟ فيكتبان ، فيقول : أي ربّ أذكر أو أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله ، وأثره ، وأجله ، ورزقه ، ثمّ تطوى الصّحف ، فلا يزاد فيها ولا ينقص»(٢).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٧)
وجه النّظم على الاحتمال الأول في الآية المتقدمة أن النصارى تمسكوا ـ في بعض شبههم ـ بما جاء في القرآن من صفة عيسى عليهالسلام أنه روح الله وكلمته ، فبيّن الله تعالى بهذه الآية أن القرآن مشتمل على محكم ومتشابه ، والتمسّك بالمتشابهات غير جائز ـ هذا على الاحتمال الأول في الآية المتقدمة ، وعلى الثاني ـ أنه تعالى لما بين أنه قيوم ، وهو القائم بمصالح الخلق ، والمصالح قسمان : جسمانية ، وروحانية ، فالجسمانية أشرفها تعدليل البنية على أحسن شكل ، وهو المراد بقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ) وأما الروحانية فأشرفها العلم ، وهو المراد بقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ).
قوله : (مِنْهُ آياتٌ) يجوز أن تكون «آيات» رفعا بالابتداء ، والجار خبره ، وفي الجملة على هذا وجهان :
أحدهما : أنها مستأنفة.
والثاني : أنها في محل نصب على الحال من «الكتاب» أي : هو الذي أنزل الكتاب في هذه الحال ، أي : منقسما إلى محكم ومتشابه.
ويجوز أن يكون «منه» هو الحال ـ وحده ـ وآيات : رفع [به](٣) ـ على الفاعلية.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤ / ٢٣٠) كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة (٣٢٠٨) ، (٨ / ٢١٩) كتاب القدر باب رقم (١) رقم (٦٥٩٤) ، (٩ / ٢٤٢) كتاب التوحيد باب : «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا» (٧٤٥٤) ومسلم (١٦ / ١٨٩ ـ ١٩٥ ـ نووي).
(٢) أخرجه مسلم (١٦ / ١٩٣ ـ نووي) كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وأحمد (٤ / ٧) والحميدي في «مسنده» (٨٢٦) والطبراني في «الكبير» (٣ / ١٩٥) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣ / ٢٧٨) وابن عساكر (٤ / ٩٦ ـ تهذيب).
(٣) سقط في أ.