فقيل إن هذا الخطاب ـ وإن كان ظاهره مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أنه في المعنى مع الأمة ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن شاكا في أمر عيسى ، فهو كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١].
وقيل إنه خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ومعناه أنه من باب الإلهاب والتهييج على الثبات على ما هو عليه من الحق أي : دم على يقينك وعلى ما أنت عليه من ترك الامتراء.
فصل
ومعنى الآية فيه قولان :
أحدهما : قال أبو مسلم : معناه أن هذا الذي أنزلت عليك ـ من حبر عيسى ـ هو الحقّ ، لا ما قالت النصارى واليهود ، فالنصارى قالوا : إن مريم ولدت إلها ، واليهود رموا مريم عليهاالسلام بالإفك ، ونسبوها إلى يوسف بن يعقوب النجار ، فالله ـ تعالى ـ بيّن أن هذا الذي نزل في القرآن هو الحق ، ثم نهى عن الشك فيه.
الثاني : ما ذكرنا من المثل ـ وهو قصة آدم ـ فإنه لا بيان لهذه المسألة ، ولا برهان أقوى من التمسّك بهذه الواقعة.
قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(٦١)
يجوز في «من» وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطية ـ وهو الظاهر ـ أي : إن حاجّك أحد فقل له كيت وكيت.
ويجوز أن تكون موصولة بمعنى : «الذي» وإنما دخلت الفاء في الخبر لتضمّنه معنى الشرط [والمحاجة مفاعلة وهي من اثنين ، وكان الأمر كذلك](١).
«فيه» متعلق ب «حاجّك» أي : جادلك في شأنه ، والهاء فيها وجهان :
أولهما : وهو الأظهر ـ عودها على عيسى عليهالسلام.
الثاني : عودها على «الحقّ» ؛ لأنه أقرب مذكور ، والأول أظهر ؛ لأنّ عيسى هو المحدّث عنه ، وهو صاحب القصة. قوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ) متعلق ب «حاجّك» ـ أيضا ـ و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، ففاعل «جاءك» ضمير يعود عليها ، أي : من بعد الذي جاءك هو. (مِنَ الْعِلْمِ) حال من فاعل «جاءك».
ويجوز أن تكون موصولة حرفيّة ، وحينئذ يقال : يلزم من ذلك خلوّ الفعل من الفاعل ، أو عود الضمير على الحرف ؛ لأن «جاءك» لا بد له من فاعل ، وليس معنا شيء يصلح عوده عليه إلا «ما» وهي حرفية.
__________________
(١) سقط في ب.