والجواب : أنه يجوز أن يكون الفاعل قوله : (مِنَ الْعِلْمِ) و «من» مزيدة ـ أي : من بعد ما جاءك العلم ـ وهذا إنما يتخرج على قول الأخفش ؛ لأنه لا يشترط في زيادتها شيئا. و «من» في قوله : «من العلم» يحتمل أن تكون تبعيضيّة ـ وهو الظاهر ـ وأن تكون لبيان الجنس. والمراد بالعلم هو أنّ عيسى عبد الله ورسوله ، وليس المراد ـ هاهنا ـ بالعلم نفس العلم ؛ لأن العلم الذي في قلبه لا يؤثر في ذلك ، بل المراد بالعلم ، ما ذكره من الدلائل العقلية ، والدلائل الواصلة إليه بالوحي.
فصل
ورد لفظ «العلم» في القرآن على أربعة [أضرب](١) :
الأول : العلم القرآن ، قال تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) [آل عمران : ٦١].
الثاني : النبي صلىاللهعليهوسلم قال تعالى : (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) [الجاثية : ١٧] أي : محمد ، لما اختلف فيه أهل الكتاب.
الثالث : الكيمياء ، قال تعالى ـ حكاية ـ عن قارون ـ : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص : ٧٨].
الرابع : الشرك ، قال تعالى : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) [غافر : ٨٣] أي من الشرك.
فصل
قال ابن الخطيب : لما كنت بخوارزم أخبرت أنه جاء نصرانيّ يدّعي التحقيق والتعمق في مذهبهم ، فذهبت إليه ، وشرعنا في الحديث ، فقال : ما الدليل على نبوّة محمد؟ فقلت كما نقل إلينا ظهور الخوارق على يد موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء نقل إلينا ظهور الخوارق على يد محمد صلىاللهعليهوسلم فإن رددنا التواتر ، وقلنا : إن المعجز لا يدل على الصدق فحينئذ بطل نبوة سائر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وإن اعترفنا بصحة التواتر ، واعترفنا بدلالة المعجز على الصدق ، فهما حاصلان في محمّد صلىاللهعليهوسلم فوجب الاعتراف قطعا بنبوة محمّد صلىاللهعليهوسلم ضرورة أن عند الاستواء في الدليل لا بدّ من الاستواء في حصول المدلول. فقال النصرانيّ : أنا لا أقول في عيسى ـ إنه كان نبيا بل أقول : إنه كان إلها.
فقلت له : الكلام في النبوة لا بد وأن يكون مسبوقا بمعرفة الإله وهذا الذي تقوله باطل ، ويدل عليه وجوه :
الأول : أنّ الإله عبارة عن موجود واجب الوجود لذاته ـ بحيث لا يكون جسما ولا
__________________
(١) في أ : معان.