وقد أجمعوا على الحذف في قوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر : ٤].
ويجوز أن يكون ماضيا ، أي : فإن تولّى وفد نجران المطلوب مباهلتهم ، ويكون ـ على ذلك ـ في الكلام التفات ؛ إذ فيه انتقال من خطاب إلى غيبة.
قوله : (بِالْمُفْسِدِينَ) من وقوع الظاهر موقع المضمر ، تنبيها على العلة المقتضية للجزاء ، وكان الأصل : فإن الله عليم بكم ـ على الأول ـ وبهم ـ على الثاني.
فصل
ومعنى الآية : فإن تولوا عما وصفت لهم من أنه الواحد ، وأنه يجب أن يكون عزيزا غالبا ، قادرا على جميع المقدورات ، حكيما ، عالما بالعواقب ـ مع أن عيسى ما كان كذلك ـ فاعلم أن تولّيهم وإعراضهم ليس إلّا على سبيل العناد ، فاقطع كلامك عنهم ، وفوّض أمرك إلى الله ؛ فإنه عليم بالمفسدين الذين يعبدون غير الله ، مطّلع على ما في قلوبهم من الأغراض الفاسدة ، قادر على مجازاتهم.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٦٤)
قوله : (إِلى كَلِمَةٍ) متعلّق ب «تعالوا» فذكر مفعول «تعالوا» بخلاف «تعالوا» قبلها ، فإنه لم يذكر مفعوله ؛ فإن المقصود مجرّد الإقبال ، ويجوز أن يكون حذفه للدلالة عليه ، تقديره : تعالوا إلى المباهلة.
وقرأ العامة (كَلِمَةٍ) ـ بفتح الكاف وكسر اللام ـ وهو الأصل ، وقرأ أبو السّمّال «كلمة» (١) بوزن سدرة و «كلمة» كضربة وتقدم هذا قريبا.
وكلمة مفسّرة بما بعدها ـ من قوله : (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) ـ فالمراد بها كلام كثير ، وهذا من باب إطلاق الجزء والمراد به الكل ، ومنه تسميتهم القصيدة جميعا قافية ـ والقافية جزء منها قال : [الوافر]
١٤٩٦ ـ أعلّمه الرّماية كلّ يوم |
|
فلمّا اشتدّ ساعده رماني |
وكم علّمته نظم القوافي |
|
فلمّا قال قافية هجاني (٢) |
ويقولون كلمة الشهادة ـ يعنون : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ـ وقال صلىاللهعليهوسلم «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد».
__________________
(١) تقدم في الآية ٣٩.
(٢) البيتان لمعمر بن أوس ونسب لغيره ينظر العيني ١ / ٢٠ والبيان ٣ / ٢٣١ ومجمع الأمثال ٣ / ١٣٠ والدر المصون ٢ / ١٢٤.