وروى ابن ماجه ـ في سننه ـ عن أنس ، قال : «قلنا : يا رسول الله ، أينحني بعضنا لبعض؟ قال : لا ، قلنا : أيعانق بعضنا بعضا؟ قال : لا ، ولكن تصافحوا» (١).
وقيل : لا نطيع أحدا في معصية الله.
قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا).
قال أبو البقاء (٢) : هو ماض ، ولا يجوز أن يكون التقدير : «فإن تتولوا» لفساد المعنى ؛ لأن قوله : (فَقُولُوا اشْهَدُوا) خطاب للمؤمنين ، و «يتولّوا» للمشركين وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب الشرط ، والتقدير : فقولوا لهم وهذا ظاهر.
والمعنى : إن أبوا إلا الإصرار فقولوا لهم : اشهدوا بأنا مسلمون [مخلصون بالتوحيد](٣).
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٦٥)
قوله : (لِمَ تُحَاجُّونَ) هي «ما» الاستفهامية ، دخل عليها حرف الجر ، فحذفت ألفها وتقدم ذلك في البقرة ، واللام متعلقة بما بعدها ، وتقديمها على عاملها واجب ؛ لجرها ما له صدر الكلام.
قوله : (فِي إِبْراهِيمَ) لا بد من مضاف محذوف ، أي : في دين إبراهيم وشريعته ؛ لأن الذوات لا مجادلة فيها.
قوله : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ) الظاهر أن الواو للحال ، كهي في قوله : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) [آل عمران ٧٠].
أي كيف تحاجون في شريعته والحال أن التوراة والإنجيل متأخران عنه؟
وجوزوا أن تكون عاطفة ، وليس بالبيّن ، وهذا الاستفهام للإنكار والتعجّب ، وقوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) متعلق ب «أنزلت» ، وهو استثناء مفرّغ.
فصل
اعلم أن اليهود كانوا يقولون : إن إبراهيم كان على ديننا ، والنصارى كانوا يقولون : إن إبراهيم كان على ديننا ، فقيل لهم : كيف تقولون ذلك والتوراة والإنجيل إنما نزلا من بعده بزمان طويل؟ كان بين إبراهيم وبين موسى ألف سنة ، وبين موسى وعيسى ألف سنة ، فكيف يعقل أن يكون يهوديّا أو نصرانيا؟
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ١٩٨) وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٢٥٧٥٠) وعزاه للدارقطني وابن أبي شيبة.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٣٨.
(٣) سقط في ب.