يقتتل ، يعني أنه ليس من شرط صحة الوصف في التثنية أو الجمع صحة انبساط مفردات الأوصاف على مفردات الموصوفات ، وإن كان الأصل ذلك كما أنه لا يشترط في إسناد الفعل إلى المثنى والمجموع صحة إسناده إلى كل واحد على حدته ، وقريب من ذلك قوله : (حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر : ٧٥] ، وقيل : ليس ل «حافين» مفرد ؛ لأنه ولو قيل : حافّ لم يصحّ ؛ إذ لا يتحقق الحفوف في واحد فقط ، إنما يتحقق بجمع يحيطون بذلك الشيء المحفوف [وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى](١).
فصل
اعلم أن القرآن الكريم كلّه محكم من جهة الإحكام والإتقان والفصاحة وصحة المعاني ، وكونه كلاما حقّا ؛ لقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ٢] ، وقوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) [يونس : ١] فهو أفضل من كل كلام يوجد في هذه المعاني ، ولا يمكن أحد أن يأتي بكلام يساويه فيها ، والعرب تقول في البناء الوثيق ، والعقد الوثيق الذي لا يمكن حلّه : محكم ، وكلّه متشابه من حيث إنه يشبه بعضه بعضا في الحسن ، ويصدّق بعضه بعضا ؛ لقوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) [الزمر : ٢٣].
وذكر في هذه الآية أن بعضه محكم ، وبعضه متشابه.
واختلف المفسّرون في المحكم ـ هنا ـ والمتشابه ، فقال ابن عباس : المحكمات هي الآيات الثلاث في سورة الانعام ، (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الآيات (٢) ، ونظيرها في بني إسرائيل (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣].
وعنه أنه قال : المتشابهات : حروف التهجي في أوائل السور (٣).
وقال مجاهد وعكرمة : المحكم : ما فيه الحلال والحرام ، وما سوى ذلك متشابه ، يشبه بعضه بعضا في الحق ، ويصدق بعضه بعضا ، كقوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٨] ، وقوله : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)(٤) [يونس : ١٠٠].
وقال قتادة والضحاك والسّديّ : المحكم : الناسخ الذي يعمل به ، والمتشابه : المنسوخ الذي لا يعمل به (٥) ويؤمن به ، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٧٤) والحاكم (٢ / ٢٨٨) وابن مردويه كما في «الدر المنثور» (٢ / ٦).
وقال الحاكم : صحيح ووافقه الذهبي.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان بمعناه كما في «الدر المنثور» (٢ / ٨).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٧٧) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وعزاه لعبد بن حميد والفريابي.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٧٥) وينظر فتح القدير (١ / ٣١٤) والبغوي (١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩) وزاد المسير (١ / ٣٥٠) والبحر المحيط (٢ / ٣٩٦).