ببعضها ، بما يغني عند إعادته في سورة البقرة عند قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) [البقرة : ٨٥] فليلتفت إليه.
قوله : (فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) «ما» يجوز أن تكون معنى «الذي» وأن تكون نكرة موصوفة.
ولا يجوز أن تكون مصدرية ؛ لعود الضمير عليها ، وهي حرف عند الجمهور ، و «لكم» يجوز أن يكون خبرا مقدما ، و «علم» مبتدأ مؤخرا ، والجملة صلة ل «ما» أو صفة ، ويجوز أن يكون لكم وحده صلة ، أو صفة ، و «علم» فاعل به ؛ لأنه قد اعتمد ، و «به» متعلق بمحذوف ؛ لأنه حال من «علم» إذ لو تأخّر عنه لصحّ جعله نعتا له ، ولا يجوز أن يتعلق ب «علم» لأنه مصدر ، والمصدر لا يتقدم معموله عليه ، فإن جعلته متعلّقا بمحذوف يفسّره المصدر جاز ذلك ، وسمي بيانا.
فصل
وأما المعنى فقال قتادة والسّدّيّ والربيع وغيرهم : إن الذي لهم به علم هو دينهم وجدوه في كتبهم ، وثبتت صحته لديهم ، والذي ليس لهم به علم هو شريعة إبراهيم ، وما عليه مما ليس في كتبهم ، ولا جاءت به إليهم رسلهم ، ولا كانوا معاصريه ، فيعلمون دينه ، فجدالهم فيه مجرّد عناد ومكابرة.
قيل : الذي لهم به علم هو أمر نبيّنا صلىاللهعليهوسلم لأنه موجود عندهم في كتبهم بنعته ، والذي ليس به علم هو أمر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ.
قال الزمخشريّ : «يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى ، وبيان حماقتكم ، أنكم جادلتم فيما لكم به علم ومما نطق به التوراة والإنجيل ، (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) ولا نطق به كتابكم من إبراهيم».
فصل
اعلم أنهم زعموا أن شريعة التوراة والإنجيل مخالفة لشريعة القرآن ، وهو المراد بقوله (حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) ثم قال : (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) وهو ادّعاؤكم أن شريعة إبراهيم كانت مخالفة لشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم وقد تقدم أقوال العلماء فيه ثم يحتمل في قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) فكيف تحاجّونه فيما لا علم لكم به ألبتة؟ ثم حقّق ذلك بقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) كيفية تلك الأحوال من المخالفة والموافقة ، ثم ذكر ـ تعالى ـ ذلك مفصّلا ، مبيّنا ، فقال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) فكذبّهم فيما ادّعوه ـ من موافقته لهما ـ بدأ باليهود ؛ لأن شريعتهم أقدم وكرر «لا» ـ في قوله : (وَلا نَصْرانِيًّا) ـ توكيدا ، وبيانا أنه كان منفيّا عن كل واحد من الدينين على حدته.
قال القرطبيّ : «دلّت الآية على المنع من جدال من لا علم له ، وقد ورد الأمر