بالجدال لمن علم وأتقن ، قال تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أتاه رجل وولده ، فقال : يا رسول الله ، إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل لك من إبل؟ قال : نعم ، قال : فما ألوانها؟ قال : حمر ، قال : فهل فيها من أورق؟ قال : نعم ، قال : من أين أتاها ذلك؟ قال : لعلّ عرقا نزعه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وهذا الغلام لعلّ عرقا نزعه (١).
وهذه حقيقة الجدال ، والنهاية في تبيين الاستدلال من رسول الله صلىاللهعليهوسلم».
قوله : «ولكن» استدراك لما كان عليه ، ووقعت ـ هنا ـ أحسن موقع ؛ إذ هي بين نقيضين بالنسبة إلى اعتقاد الحقّ والباطل.
ولما كان الخطاب مع اليهود والنصارى أتى بجملة تنفي أخرى ؛ ليدل على أنه لم يكن على دين أحد من المشركين ، كالعرب عبدة الأوثان ، والمجوس عبدة النار ، والصابئة عبدة الكواكب.
بهذا يطرح سؤال من قال : أيّ فائدة في قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بعد قوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا)؟ وأتى بخبر «كان» مجموعا ، فقال : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بكونه فاصلة ، ولو لا مراعاة ذلك لكانت المطابقة مطلوبة بينه وبين ما استدرك عنه في قوله : (يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) فيتناسب النفيان.
وقيل : قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريض بكون النصارى مشركين في قولهم بإلهية المسيح ، وكون اليهود مشركين في قولهم بالتشبيه.
والحنيف : المائل عن الأديان كلّها إلى الدّين المستقيم.
وقيل : الحنيف : الذي يوحّد ، ويحج ، ويضحّي ، ويختتن ، ويستقبل القبلة (٢). وتقدم الكلام عليه في البقرة.
فإن قيل : قولكم : إبراهيم على دين الإسلام ، أتريدون به الموافقة في الأصول ، أو في الفروع؟
فإن كان الأول لم يكن هذا مختصّا بدين الإسلام ، بل نقطع بأنّ إبراهيم أيضا على دين اليهود ـ [ذلك الدين الذي جاء به موسى ـ وكان أيضا ـ نصرانيا](٣) أعني تلك
__________________
(١) أخرجه البخاري كتاب الطلاق باب إذا عرض بنفي الولد (٥٣٠٥) وكتاب المحاربين باب التعريض رقم (٦٨٤٧) وكتاب الاعتصام باب من شبه له أصلا ... رقم (٦٨٤٧) ومسلم (١١٣٧) وأبو داود (٢٢٦٠) والترمذي (٢١٢٨) والنسائي (٦ / ١٧٨ ـ ١٧٩) وابن ماجه (٢٠٠٢ ، ٢٠٠٣) وأحمد (٢ / ٢٣٩ ، ٤٠٩ ، ٣ / ١٤) والبيهقي (٤ / ١٨٦) ، (٧ / ٤١١) ، (٨ / ٢٥٢ ، ١٠ / ١٥٩ ، ٢٦٤) عن أبي هريرة.
وذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح» (٥ / ٢٤٣ ، ٩ / ٤٤٢ ، ١٢ / ١٧٥).
(٢) في ب : الكعبة.
(٣) سقط في أ.