فانصرفنا ، فكنا في خير دار ، وأكرم جوار ، فأنزل الله ذلك اليوم على رسوله في خصومتهم في إبراهيم ـ وهو في المدينة ـ قوله ـ عزوجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(١).
وروى ابن مسعود أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ لكلّ نبيّ ولاة من النّبيّين ، وإنّ ولييّ منهم أبي ، وخليل ربّي» ثم قرأ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(٢).
قوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)(٦٩)
في «من» وجهان :
أظهرهما : أنها تبعيضيّة.
والثاني : أنها لبيان الجنس.
قال ابن عطيّة : ويعني أن المراد ب «طائفة» جميع أهل الكتاب ، قال أبو حيّان : وهذا بعيد من دلالة اللفظ ، وهذا الجار ـ على القول بأنها تبعيضية ـ في محلّ رفع ، صفة ل «طائفة» ، وعلى القول بأنها بيانية تتعلق بمحذوف.
وقوله : تقدم أنه يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون على بابها ـ من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره.
قال أبو مسلم الأصبهاني : «ودّ» بمعنى تمنّى ، فيستعمل معها «لو» و «أن» وربما جمع بينهما ، فيقال : وددت أن لو فعلت ، ومصدره الودادة ، والاسم منه ودّ وبمعنى «أحبّ» فيتعدّى «أحب» والمصدر المودة ، والاسم منه ود وقد يتداخلان في المصدر والاسم.
وقال الراغب : «إذا كان بمعنى «أحب» لا يجوز إدخال «لو» فيه أبدا».
وقال الرمانيّ : «إذا كان «ودّ» بمعنى تمنّى صلح للحال والاستقبال [والماضي ، وإذا كان بمعنى الهمة والإرادة لم يصلح للماضي ؛ لأن الإرادة لاستدعاء الفعل ، وإذا كان للحال والمستقبل جاز وتجوز «لو» ، وإذا كان للماضي لم يجز «أن» لأن «أن» للمستقبل](٣).
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٣ ـ ٧٤) وعزاه لعبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن غنم ... فذكره.
(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٨٠ ـ ٨١) والطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٩٨) والحاكم (٢ / ٢٩٢) عن عبد الله بن مسعود.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٤) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٣) سقط في أ.