يريد : ستحتلبونها.
ولا يجوز أن يتوهّم ـ في هذا البيت ـ أن يكون حذف النون لأجل جواب الشرط ؛ لأن الفاء مرادة وجوبا ؛ لعدم صلاحية «ستحتلبوها» جوابا ؛ لاقترانه بحرف التنفيس.
والمراد بالحق : الآيات الدالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم في التوراة.
قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية ، ومتعلق العلم محذوف ، إما اقتصارا ، وإما اختصارا ـ أي : وأنتم تعلمون الحق من الباطل ، أو نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم أو تعلمون أن عقاب من يفعل ذلك عظيم ، وتعلمون أنكم تفعلون ذلك عنادا وحسدا.
فصل في كلام القاضي
قال القاضي : قوله تعالى : (لِمَ تَكْفُرُونَ؟) و (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) يدل على أن ذلك فعلهم ؛ لأنه لا يجوز أن يخلقه فيهم ، ثم يقول : لم فعلتم؟
وجوابه : أن الفعل يتوقف على الداعية ، فتلك الداعية إن حدثت لا لمحدث لزم نفي الصانع ، وإن كان محدثها هو العبد افتقر إلى إرادة أخرى ، وإن كان محدثها هو الله ـ تعالى ـ لزمكم ما ألزمتموه علينا.
قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٧٢)
حكي عنهم التلبيس ، فذكر منه هذا النوع.
قوله : (وَجْهَ النَّهارِ) منصوب على الظرف ؛ لأنه بمعنى : أول النهار ؛ لأن الوجه ـ في اللغة ـ مستقبل كل شيء ؛ لأنه أول ما يواجه منه ، كما يقال ـ لأول الثوب ـ : وجه الثوب.
روى ثعلب عن ابن الأعرابي : أتيته بوجه نهار ، وصدر نهار ، وشباب نهار ، أي : أوله.
وقال الربيع بن زياد العبسي : [الكامل]
١٥٠٩ ـ من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت نسوتنا بوجه نهار (١) |
أي : بأوله ، وفي ناصب هذا الظرف وجهان :
أظهرهما : أنه فعل الأمر من قوله (آمِنُوا) أي : أوقعوا إيمانكم في أول النهار ، وأوقعوا كفركم في آخره.
__________________
(١) ينظر البيت في ديوان الحماسة ١ / ٤٩٤ واللسان (وجه) ومجاز القرآن ١ / ٩٧ وأمالي المرتضى ١ / ٢١١ والكشاف ١ / ٤٣٦ والأشباه والنظائر ٢ / ٨٢ وتذكرة النحاة ص ١٣٩ والاستغناء في أحكام الاستثناء ص ٦٣٢ والبحر المحيط ٢ / ٥١٧ والدر المصون ٢ / ١٣٤.