الإسلام ، وهي أن يظهروا تصديق ما ينزل على محمد صلىاللهعليهوسلم من الشرائع في بعض الأوقات ، ثم يظهروا بعد ذلك تكذيبه فإن الناس متى شاهدوا هذا التكذيب قالوا : هذا التكذيب ليس لأجل الحسد والعناد ، وإلا لما آمنوا في أول الأمر ، فإذا لم يكن حسدا ، وجب أن يكون لأجل أنهم أهل الكتاب وقد تفكّروا في أمره ، واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته ، فلاح لهم ـ بعد ذلك التأمل التام ، والبحث الوافي ـ أنه كذاب ، فيصر هذا الطريق شبهة لضعفة المسلمين في صحة نبوته.
قال الحسن والسّدّيّ : تواطأ اثنا عشر رجلا من أحبار خيبر وقرى عرينة ، وقال بعضهم ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ، ثم اكفروا آخر النهار ، وقولوا : إنّا نظرنا في كتابنا ، وشاورنا علماءنا ، فوجدنا محمدا ليس بذلك ، وظهر لنا كذبه ، فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينهم ، واتهموه ، وقالوا : إنهم أهل الكتاب ، وهم أعلم منا ، فيرجعون عن دينهم ، وهذا قول أبي مسلم الأصبهانيّ (١).
قال الأصمّ : قال بعضهم لبعض : إن كذبتموه في جميع ما جاء به فإن عوامكم يعلمون كذبكم ؛ لأن كثيرا يعلمون ما جاء به حقّ ، ولكن صدّقوه في بعض ، وكذّبوه في بعض ، حتى يحمل الناس تكذيبكم على الإنصاف ، لا على العناد ، فيقبلوا قولكم.
وأما الاحتمال الثاني ـ وهو الإيمان بالبعض ـ ففيه وجهان :
أحدهما : قال ابن عباس : (وَجْهَ النَّهارِ) : أوله ، وهو صلاة الصبح ، (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) يعني : صلاة الظهر (٢) ، وتقديره : أنه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي إلى بيت المقدس ـ بعد أن قدم المدينة ـ ففرح اليهود بذلك ، وطمعوا أن يكون منهم ، فلمّا حوله الله إلى الكعبة ـ وكان ذلك عند صلاة الظهر ـ قال كعب بن الأشرف وغيره : «ءامنوا بالذي أنزل على الذينءامنوا وجه النهار» يعني آمنوا بالقبلة التي صلى إليها صلاة الصبح ، فهي الحق ، (وَاكْفُرُوا) بالقبلة إلى الكعبة (لَعَلَّهُمْ) يقولون : إن هؤلاء أهل كتاب ، وهم أعلم ، فيرجعون إلى قبلتنا.
الثاني : قال بعضهم لبعض : صلّوا إلى الكعبة أول النهار ثم اكفروا بهذه القبلة في آخر النهار ؛ وصلوا إلى الصخرة لعلهم يقولون : إن أهل الكتاب أصحاب العلم ، فلو لا أنهم عرفوا بطلان هذه القبلة لما تركوها ، فحينئذ يرجعون عن هذه القبلة.
فصل في فوائد كشف حيلتهم
إخبار الله ـ تعالى ـ عن تواطئهم على هذه الحيلة فيه فائدة من وجوه :
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٠٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٠٩) عن قتادة والربيع.