وكذا رأيته في بعض التفاسير ، وهذا الوجه ليس بالقوي.
الثاني : أن «آمن» ضمّن معنى أقرّ واعترف ، فعدّي باللام ، أي : ولا تقرّوا ، ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم ، ونحوه قوله : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ) [يونس : ٨٣] وقوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [يوسف : ١٧] وقال أبو علي : وقد يتعدّى آمن باللام في قوله : (فَما آمَنَ لِمُوسى) [يونس : ٨٣] ، وقوله : (آمَنْتُمْ لَهُ) [طه : ٧١] ، وقوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ٦١] فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين ، والصّواب التضمين وقد تقدم تحقيقه أول البقرة (١). وهنا استثناء مفرّغ.
وقال أبو البقاء : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناء مما قبله ، والتقدير : ولا تقرّوا إلا لمن تبع ، فعلى هذا اللام غير زائدة ولا يجوز أن تكون زائدة ويكون محمولا على المعنى ، أي اجحدوا كلّ أحد إلا من تبع دينكم.
والثاني : أن النية به التأخير ، والتقدير : ولا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ؛ فاللام على هذا ـ زائدة ، و «من» في موضع نصب على الاستثناء من أحد.
وقال الفارسيّ : الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين ، فلا يتعلق ـ أيضا ـ بجارين ، وقد تعلّق بالجار المحذوف من قوله : (أَنْ يُؤْتى) فلا يتعلق باللام في قوله : (لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) إلا أن يحمل اللام على معناه ، فيتعدى إلى مفعولين ، ويكون المعنى : ولا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم ، كما تقول : أقررت لزيد بألف ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى ، ولا تكون زائدة على حد : (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل : ٧٢] و (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] وهذا تصريح من أبي علي بأنه ضمن «آمن» معنى «أقرّ».
فصل
اتفق المفسّرون على أن هذا بقية كلام اليهود ، وفيه وجهان :
الأول : أن معناه : ولا تصدّقوا إلا بنبي يقرّر شرائع التوراة ، ومن جاء بتغيير شرع من أحكام التوراة ، فلا تصدقوه ، وعلى هذا التفسير تكون اللام في (لِمَنْ تَبِعَ) صلة زائدة.
الثاني : معناه : لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل من تبع دينكم ، أي : ليس الغرض من الإتيان بذلك التلبيس إلا بقاء أتباعكم على دينكم ، فإنّ مقصود كلّ أحد حفظ أتباعه وأشياعه على متابعته.
__________________
(١) آية (٣).