جهة المعنى ؛ إذ لا يوحي الله لرسول إلا وهو يحاجّ مخالفيه. وهذا قول ساقط ؛ إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.
فصل
«أحد» يجوز أن تكون ـ في الآية الكريمة ـ من الأسماء الملازمة للنفي ، وأن تكون بمعنى «واحد» والفرق بينهما أن الملازمة للنفي همزته أصلية ، والذي لا يلزم النفي همزته بدل من واو فعلى جعله ملازما للنفي يظهر عود الضمير عليه جمعا ؛ اعتبارا بمعناه ؛ إذ المراد به العموم ، وعليه قوله : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٧] ـ جمع الخبر لما كان «أحد» في معنى الجميع ـ وعلى جعله غير اللازم للنفي يكون جمع الضمير في (يُحاجُّوكُمْ) باعتبار الرسول صلىاللهعليهوسلم وأتباعه.
وبعض الأوجه المتقدمة يصح أن يجعل فيها «أحد» ـ المذكور ـ الملازم للنفي ، وذلك إذا كان الكلام على معنى الجحد ، وإذا كان الكلام على معنى الثبوت ـ كما مرّ في بعض الوجوه فيمتنع جعله الملازم للنفي. والأمر واضح مما تقدم.
فصل
قرأ ابن كثير (١) : أأن يؤتى ـ بهمزة استفهام ـ وهو على قاعدته من كونه يسهل الثانية بين بين من غير مدة بينهما ، وخرّجت هذه القراءة على وجوه :
أحدها : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) على حذف حرف الجر ـ وهو لام العلة ـ والمعلّل محذوف تقديره : ألأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبّرتموه ـ وتقدم تحقيقه ـ وهذه اللفظة موضوعة للتوبيخ ، كقوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٤ ـ ١٥] ، والمعنى : أمن أجل أن يؤتى أحد شرائع مثل ما أوتيتم من الشرائع تنكرون اتباعه؟ ثم حذف الجواب ، للاختصار ، تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ، ولا تؤمنون به ، قاله قتادة والربيع (٢) ، وهذا الحذف كثير ؛ يقول الرجل ـ بعد طول العتاب لصاحبه ، وتعديده عليه ذنوبه بعد قلة إحسانه إليه ـ : أمن قلة إحساني إليك؟ أمن إساءتي إليك؟ والمعنى : أمن هذا فعلت ما فعلت؟ ونظيره : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر : ٩] ، وهذا الوجه يروى عن مجاهد وعيسى بن عمر. وحينئذ يسوغ في محل «أن» الوجهان ـ أعني النصب ـ مذهب سيبويه ـ والجر مذهب الخليل.
__________________
(١) ينظر القراءة السابقة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥١٤) عن قتادة والربيع وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٦) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.