ويكون قولها : أو يحاجوكم بمعنى : أو فليحاجّوكم ، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو يكون بمعنى إلا أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز أن يؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له» ، فقد ظهر ـ على ما ذكره ابن عطية ـ أنه يجوز في «أو» ـ في هذه القراءة ـ أن تكون على بابها من كونها للتنويع والتخيير ، وأن تكون بمعنى «إلا» إلا أن فيه حذف حرف الجزم ، وإبقاء عمله وهو لا يجوز ، وعلى قول غيره تكون بمعنى «حتّى».
وقرأ الحسن : أن يؤتي أحد ـ على بناء الفعل للفاعل ـ ولما نقل بعضهم هذه القراءة لم يتعرّض ل «أن» ـ بفتح ولا بكسر ـ كأبي البقاء ، وابن عطية ، وقيّدها بعضهم بكسر «أن» وفسّرها بإن النافية ، والظاهر في معناه أن إنعام الله تعالى لا يشبهه إنعام أحد من خلقه ، وهي خطاب من النبي صلىاللهعليهوسلم لأمته ، والمفعول المحذوف ، تقديره : إن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول الأول ، وهو أحد ؛ لدلالة المعنى عليه ، وأبقى الثاني ، فيكون قول اليهود وقد تم عند قوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) وما بعده من قول الله تعالى ، يقول : «قل» يا محمد إن (الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى) «إن» بمعنى الجحد ، أي : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد ، أو يحاجوكم ، يعني : إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل ، فيقولوا : نحن أفضل منكم وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبيّ ومقاتل (١) وهذا ملخّص كلام الناس في هذه الآية مع اختلافهم.
قال الواحدي : «وهذه الآية من مشكلات القرآن ، وأصعبه تفسيرا ؛ ولقد تدبّرت أقوال أهل التفسير ، والمعاني في هذه الآية ، فلم أجد قولا يطّرد في الآية ، من أوّلها إلى آخرها ، مع بيان المعنى في النظم».
فصل
قال بعض المفسّرين : هذا من قول الله ـ تعالى ـ ، يقول : «قل» لهم يا محمد : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) بأن أنزل كتابا مثل كتابكم ، وبعث نبيّا حسدتموه ، وكفرتم به ، (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) وقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) ـ على هذا ـ رجوع إلى خطاب المؤمنين ، وتكون «أو» بمعنى «إن» لأنهما حرفا شرط وجزاء ، ويوضع أحدهما موضع الآخر ، وإن يحاجّوكم ـ يا معشر المؤمنين ـ عند ربكم فقل يا محمد ، إنّ الهدى هدى الله ، ونحن عليه. ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ، ويكون نظم الآية : إن يؤت أحد مثل ما أوتيتم ـ يا معشر المؤمنين ـ يحسدوكم ، فقل : إن الفضل بيد الله ، وإن حاجّوكم فقل : إنّ الهدى هدى الله.
ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقوله :
__________________
(١) تقدم.