فصل
روى البخاري عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ ، قال : ما هي؟ قال : قوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] وقال : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٥٠] ، وقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٧] مع قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٢] فقد كتموا في هذه الآية وفي «النازعات» قال : (أَمِ السَّماءُ بَناها) إلى قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٢٧ ـ ٣٠] فذكر خلق السماء قبل الأرض ، وقال (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩ ـ ١١] إلى : «طائعين» فذكر خلق الأرض قبل السماء وقال : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١٠٠](وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء : ١٥٨](وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء : ١٣٤] فكأنه كان ثم مضى.
فقال ابن عباس : معنى قوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) النفخة الأولى ثم ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ، وفي النفخة الأخيرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
أما قولهم : (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) أي : أن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، فيقول المشركون : تعالوا نقول : ما كنا مشركين ، فيختم الله على أفواههم ، وتنطق جوارحهم بأعمالهم ، فعند ذلك لا يكتمون الله حديثا ، وعنده (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : ٢] ، وخلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ثم دحا الأرض ، بسطها فأخرج منها الماء والمرعى ، وخلق فيها الأشجار والجبال (١) [والآكام](٢) وما بينهما في يومين آخرين ، وذلك قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) فخلق الأرض وما فيها في أربعة أيام وخلق السماء في يومين.
وقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يعني نفسه ، أي : لم يزل ، ولا يزال كذلك ، وأن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراده ويحك ، فلا يختلف عليك القرآن ، فإن كلّا من عند الله (٣).
فصل
في الفوائد التي لأجلها جعل بعض القرآن محكما ، وبعضه متشابها.
قال ابن الخطيب : «طعن بعض الملحدة في القرآن ؛ لأجل اشتماله على المتشابهات ، وقالوا : إنكم تقولون : إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى يوم
__________________
(١) في أ : الجبال والأشجار.
(٢) سقط في ب.
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» ٨ / ٤١٧ ، ٤١٨ كتاب التفسير باب سورة حم السجدة عن سعيد بن جبير تعليقا.