أحدها : أنه ـ تعالى ـ لما وصف اليهود بالخيانة في أموال النّاس ، فمعلوم أن الخيانة في الأموال ، لا تكون بالأيمان الكاذبة.
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ حكى عنهم أنهم يقولون على الله الكذب ، وهم يعلمون ، ولا شك أن عهد الله ـ تعالى ـ على كل مكلّف أن لا يكذب على الله.
وثالثها : أنه ـ تعالى ـ ذكر في الآية الأولى خيانتهم في أموال الناس ، وذكر في هذه الآية خيانتهم في عهد الله وفي تعظيم أسمائه ؛ حيث يحلفون بها كاذبين.
وقال بعضهم : إن هذه الآية ابتداء كلام مستقلّ في المنع من الأيمان الكاذبة ؛ لأن اللفظ عامّ ، والروايات الكثيرة دلّت على أنها نزلت في أقوام أقدموا على الأيمان الكاذبة.
فصل
قال عكرمة : نزلت في أحبار اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وكتبوا بأيديهم غيرها ، وحلفوا أنها من عند الله ؛ لئلا تفوتهم الرّشاء التي كانت من أبناء عمهم(١).
وقيل : نزلت في ادّعائهم أنه (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) كتبوا ذلك بأيديهم ، وحلفوا أنه من عند الله قاله الحسن.
وقال ابن جريج : نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له ، اختصما في أرض إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أقم بيّنتك ، فقال : ليس لي بينة ، فقال لليهودي : احلف ، قال : إذا يحلف ، فيذهب بمالي ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ) فنكل الأشعث (٢).
قال مجاهد : نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعته (٣) ، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكّيهم ، ولهم عذاب أليم. قال : وقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث مرات ، فقال أبو ذر : خابوا ، وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال : المسبل إزاره ، والمنّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٢٨) عن عكرمة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٣١) عن ابن جريج وأخرجه البخاري (٥ / ٥٣ ، ٢٠٦) ومسلم (١ / ٤٩ ـ ٥٠) وأحمد (٥ / ٢١١ ـ ٢١٢) والطبري (٦ / ٥٢٩) عن عبد الله بن مسعود ... فذكر الحديث.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٣٣).
(٤) أخرجه مسلم (١ / ١٠٢) كتاب الإيمان : باب غلظ تحريم إسبال الإزار (١٧١ ـ ١٠٦) وأبو داود (٤ / ٥٧) كتاب اللباس باب ما جاء في إسبال الإزار (٤٠٨٧) والترمذي (٣ / ٥١٦) كتاب البيوع : باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا (١٢١١) والنسائي (٥ / ٨١) كتاب الزكاة : باب المنان بما أعطى ، ـ