وأجيب بأن على الوجه الذي قلتم يكون الميثاق مضافا إلى الموثق عليه. وعلى قولنا إضافته [إليهم إضافة الفعل إلى الفاعل ـ وهو الموثق ـ وإضافة الفعل إلى الفاعل أقوى من إضافته](١) إلى المفعول ؛ فإن لم يكن فلا أقل من المساواة ، وهو كما يقال : ميثاق الله وعهده ، فيكون التقدير : وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم.
ويمكن أن يراد ميثاق أولاد النبيين ـ وهم بنو إسرائيل ـ على حذف مضاف [وهو كما يقال : «فعل بكر بن وائل كذا» ، و «فعل معد بن عدنان كذا» ، والمراد أولادهم وقومهم ، فكذا ههنا](٢).
ويحتمل أن يكون المراد من لفظ «النّبيّين» أهل الكتاب ، فأطلق لفظ «النّبيّين» عليهم ؛ تهكّما بهم على زعمهم ؛ لأنهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنبوة من محمد صلىاللهعليهوسلم لأنا أهل الكتاب ، ومنا النبيون ، قاله الزمخشريّ.
ويمكن أنه ذكر النبي والمراد أمته كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَ) [الطلاق : ١].
واحتجوا ـ أيضا ـ بما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة ، أما والله لو كان موسى بن عمران حيّا لما وسعه إلّا اتّباعي» (٣).
وبما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «إن الله ـ تعالى ـ ما بعث آدم ومن بعده من الأنبياء عليهمالسلام إلا أخذ العهد عليه لئن بعث محمد وهو حيّ ليؤمننّ به ، ولينصرنه».
القول الثاني : أن الميثاق مضاف لفاعله ، والموثق عليه غير مذكور ؛ لفهم المعنى ، والتقدير : ميثاق النبيّين على أممهم ، ويؤيده قراءة أبيّ وعبد الله ، ويؤيده ـ أيضا ـ قوله : (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) [آل عمران : ٨٢] والمراد من الآية أن الأنبياء كانوا يأخذون الميثاق من أممهم بأنه إذا بعث محمد صلىاللهعليهوسلم أن يؤمنوا به وينصروه وهو قول مجاهد والربيع ، واحتجوا بقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١] وإنما كان محمد صلىاللهعليهوسلم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين.
وقال أبو مسلم : ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ الله الميثاق منهم ، يجب عليهم الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم عند مبعثه وكل الأنبياء يكونون عند مبعثه عليهالسلام من زمرة الأموات والميت لا يكون مكلفا ، فعلمنا أن المأخوذ عليهم الميثاق ليسوا هم النبيين بل
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) أخرجه بهذا اللفظ أحمد (٣ / ٣٧٨) وابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ٢٧) عن جابر بن عبد الله.
وأخرجه ابن الضريس عن عمر كما في «الدر المنثور» (٥ / ١٤٩). والحديث ذكره ابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٩٦) وابن حجر في «الفتح» (١٣ / ٣٣٤).