أممهم ، ويؤكّد هذا أنه ـ تعالى ـ حكم على من أخذ عليهم الميثاق أنهم لو تولوا كانوا فاسقين ، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء ، وإنما يليق بالأمم.
قال القفال عن هذا الاستدلال بأنه لا يجوز أن يكون المراد من الآية أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم بل يكون هذا كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط ، ولكن خرج هذا على سبيل الفرض والتقدير ، وكقوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦] وكقوله في صفة الملائكة : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٢٩] وكل ذلك على سبيل الفرض والتقدير ـ فكذا هنا ـ وقوله : إنه سماهم فاسقين فهو على تقدير التولي ، واسم الشرك أقبح من اسم الفسق ـ وقد ذكره ـ تعالى ـ على سبيل الفرض في قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥].
واحتجوا ـ أيضا ـ بأن المقصود من الآية أن يؤمن الذين كانوا في زمان الرسول صلىاللهعليهوسلم فإذا كان الميثاق مأخوذا عليهم كان ذلك أبلغ في تحصيل هذا المقصود من أن يكون مأخوذا على الأنبياء وأجيب عن ذلك بأن درجات الأنبياء أعلى وأشرف من درجات الأمم ، فإذا دلت الآية على أن الله أوجب على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم لو كانوا أحياء ـ وأنهم لو تركوا ذلك لصاروا من زمرة الفاسقين ، فلأن يكون الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم واجبا على أممهم كان أولى.
واحتجوا أيضا بما روي عن ابن عباس قال : إنما أخذ الله ميثاق النّبيّين على قومهم. وبقوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠] وبقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [آل عمران : ١٨٧].
وقال بعض أصحاب القول الأول : المعنى : أن الله أخذ ميثاق النبيين أن يأخذوا الميثاق على أممهم أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وينصروه ، ويصدقوه ـ إن أدركوه.
قال بعضهم : إن الله أخذ الميثاق على النبيين وأممهم ـ جميعا ـ في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم فاكتفى بذكر الأنبياء ؛ لأن العهد مع المتبوع عهد مع التابع ، وهذا معنى قول ابن عباس.
قرأ العامّة : «لما آتيتكم» بفتح لام «لما» وتخفيف الميم ، وحمزة ـ وحده ـ على كسر اللام (١). وقرأ الحسن وسعيد بن جبير «لمّا» بالفتح والتشديد (٢).
فأما قراءة العامة ففيها خمسة أوجه :
__________________
(١) انظر : السبعة ٢١٣ ، والكشف ١ / ٣٥١ ، والحجة ٣ / ٦٢ ، والعنوان ٨٠ ، وحجة القراءات ١٦٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٦ وشرح الطيبة ٤ / ١٦١ ، وشرح شعلة ٣٢٠ ، وإتحاف ١ / ٤٨٣.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٦٥ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٣٢ ، والدر المصون ٢ / ١٥٢.